الذكري الأولي لتنصب رئيس الجمهورية والتحديات التنموية / د.محمد الراظي بن صدفن

تعلمنا التجارب السياسية للعديد من الدول خلال تاريخها الحديث والمعاصر ،  أن الإرادة السياسية وقوة العزيمة والتصميم على مواجهة التحديات هى التي مكنت بعض الزعامات التاريخية من لعب أدوار محورية فى استقلال وتنمية بلدانهم وصون كرامة مواطنيها. فالزعيم الهندي غاندي مثلا صمم على إنتزاع استقلال بلاده من الإحتلال الإبريطاني وأختار لذلك المقاومة السلمية ، فى حين ركز الرئيس الصينى دينج هيساوينج فى إطار مقاربة تنمية بلاده على إطلاق السلعة التى غزت العالم وراكمت الثروات بالنسبة للشعب الصينى ، هذا في الوقت الذى قام فيه كل من ديغول وتشرشل ومانديلا بإعادة بناء بلدانهم بعد تعرضها لمحنةالحروب وحالات الإنكسار . أما  في عالمنا الإسلامي ، تعتبر التجربة الماليزية فى ظل قيادة المهاتير محمد نمذوذجًا آخر يحتذى به ، حيث مكنت القيادة الرشيدة لهذا الرئيس وإصراره على البناء من تحقيق إنطلاقة إقتصادية رائدة بالرغم من صغر مساحة بلاده وتنوع أعراقها . وأصبحت هذه الدولة الأسيوية اليوم تتبوأ مكانة مرموقة بين الدول الصناعية الكبرى بعد الإنتصار الذى حققته فى حربها ضد الفساد والذى مكنها من الإستثمار فى الإنسان الماليزى والتركيز على المنظومة التعليمية والدمج بين القيم المجتمعية والأداء الإقتصادى .

وفى موريتانيا التى أنهكتها السياسات الإرتجالية الفاشلة وأ ستحكم الفساد فى مفاصلها ، فقد علقت الآمال فيها على الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني من أجل تطبيق مقتضيات الإصلاح السياسي والإقتصادي والإجتماعي المطلوب و في إرساء دعائم دولة الحق والعدل والقانون. وتعتبر ذكرى تنصيبه رئيسا للجمهورية الإسلامية الموريتانية حدثا مهمًا بالنسبة لنا جميعا ، لا لرمزيته التاريخية فحسب بل لأن هذا التتويج جاء نتيجة لإنتخابات رئاسية تعددية حاسمة علقت عليها آمال الشعب لتخليص البلاد من أزمتها السياسية والإقتصادية والإجتماعية الطاحنة التي كانت قاب قوسين أو أدني من تمزيق نسيجها الإجتماعي والمساس بوحدتها الوطنية. وقد منح الشعب ثقته للرئيس الذي فاز بنسبة ٥٢ بالمائة من الأصوات في إطار إجماع وطني علي إعتبار أنه هو رجل المرحلة بإمتياز القادر علي إخراج البلاد من محنتها ومواجهة كل التحديات وذلك بحكم خبرته وحنكته السياسية ورباطة جأشه ومعرفته المسبقة بدهاليز الحكم وإكراهاته.

اليوم ، بعد مرور عام علي إستلامه للسلطة وبالرغم من التحديات الكبيرة التي ميزت الوضع العام للبلد، بدءًا بالازمة السياسية والإجتماعية المستفحلة، مرورًا بالتدهور الإقتصادي الناجم عن سوء التسيير وإنتشار 

ًالفساد والمحسوبية خلال العشرية الماضية، وإنتهاء بإنتشار جائحة كورونا و أثارها السلبية ، فإننا نلتمس العذر للرئيس ونعتبر أنه قام بإنجازات مهمة خلال هذه الفترة القصيرة من مأموريته وفي ظل ظروف صعبة نستعرض فيما يلي أهم تلك الأنجازات:

- إعادة الثقة مع كل أطياف الشعب في البلد من خلال خطاب الطمأنة الذي وجهه سيادته أثناء تنصيبه وعبر اللقاءات التي خص بها رؤساء الأحزاب وكل الفاعلين السياسيين والإجتماعيين والشخصيات المحورية الوطنية ومختلف ممثلي هيئات المجتمع المدني،

- إطلاق مشاريع تنموية تستهدف تحسين الأوضاع المعيشية للفئات الهشة من خلال إنشاء وكالة تآزر التي رصدت لهاموارد معتبرة ،

- التصدي لجائحة كورونا عبر معالجة محكمة ساهمت في التخفيف من الأثار السلبية لهذا الفيروس الفتاك، حيث تم إتخاذ تدابير إستعجالية للتكفل بفواتير الماء والكهرباء لصالح الفئات محدودة الدخل وتقديم الدعم المالي لها، كما تم إعفاء الصيادين التقليديين والحرفيين من أية رسوم أو ضرائب على النشاط،

- دعم قدرات القطاع الصحي من خلال تخصيص الموارد الضرورية لإقتناء التجهيزات والمعدات الطبية التي من شأنها الرفع من جاهزية المنشآت الصحية للتعامل مع حالة الطوارئ ،

- ضمان تأمين السوق بالمواد الإستهلاكية الضرورية ودعم المواد الغذائية الأساسية على ميزانية الدولة،

- إستصلاح وتأهيل  ٥٧٢٦ هكتارا من المزارع الجديدة وتنظيم وتعميق محور لعويجة الذي سيمكن من إستغلال ١٣٠٠ هكتارا في منطقة أركيز ، علاوة على تشييد ٧٤ سدًا في ولايات متفرقة من الوطن  وأستيراد كميات كبيرة من الأعلاف بيعت بأسعار مدعومة لفائدة المنمين على إمتداد التراب الوطني ،

- إستمرار المشاريع في مجال تشييد الطرق والبني التحتية ،

- تحسين وتفعيل الإطار المؤسسى للنظام القضائي و التأكيد على نزاهة و إستقلالية الجهاز القضائي مع التركيز على فصل السلطات،

- تبنى إستيراتيجية فعالة لمكافحة الفساد بواسطة إعتماد شعار الشفافية في تسيير الشأن العام وتفعيل دور الهيئات الرقابية،

- تقريب الخدمة العمومية من المواطنين  عبر إطلاق مشاريع " خدماتي" التي ستشمل جميع المرافق العمومية ،

- التركيز على إصلاح المنظومة التربوية كمدخل رئيس لمعالجة مشاكل البلاد الجوهرية، وإنشاء وزارة أسندت إليها المهمة،

- دعم التكوين في مجال التعليم العالي عبر الإعلان عن إكتتابات مهمة للأساتذة الباحثين والمكونين التقنيين وتخصيص موارد معتبرة لترقية البحث العلمي،

- إدخال الثقافة ضمن سلم أولويات التنمية من خلال إطلاق برامج لتنمية المدن التاريخية و ترقية الصناعة التقليدية و تشجيع فنون السينما والمسرح والموسيقي التقليدية وإعادة الإعتبار لمنظومة القيم الثقافية،

- الشروع في إصلاح نظام الوظيفة العمومية بإعتماد قانون جديد لرفع السن الوظيفي إلي ٦٣ سنة وهو ما سيسمح بمراجعة نظام المعاشات بالنسبة لمختلف الأسلاك الوظيفية ،

- تحسين صورة البلاد الخارجية من خلال تعزيز الشراكة مع محيطها الإفريقي والعربي والدولي عبر سياسة بناء جسور الثقة مع كافة الشركاء وهو ما تمخض عن تحقيق نتائج طيبة مؤخرا في قمة دول الساحل المنعقدة في أنواكشوط إثر تجاوب المانحين مع نداء رئيس الجمهورية المتعلق بتخفيف المديونية عن الدول الإفريقية وخاصة دول الساحل منها المثقلة بالأزمات والتي أخرها أزمة كوفيد-١٩ المعيقة لكل الجهود التنموية المقام بها.

هذا بالإضافة إلي إطلاق مشاريع متنوعة أخري لصالح تشغيل الشباب وترقية المرأة و إصلاح الإعلام ومحاربة جيوب الفقر.

والخلاصة أنه لتحقيق آمال وطموحات الموريتانيين في بناء دولة عصرية ، قوية ومزدهرة تسع جميع أبنائها ، فإن الرهان يبقي معقودا علي الله أولًا وعلي تعهدات رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني الذي نستشعر فيه قوة الإيمان وصدق النيات والثبات علي الحق والوفاء بالعهد و نشد علي يده  لإصراره علي تطبيق الإصلاح. والمطلوب الأن هو العمل دون تأخير بوضع الأليات الكفيلة بجعل الناس في هذا البلد يعيشون حياة صحية مقبولة ويكتسبون المعارف المطلوبة و يحصلون علي الموارد اللازمة لمستوي معيشي لائق.و الحقيقة أن هذا الهدف لايمكن تحقيقه دون العمل بالحكامة الرشيدة ممارسة ونهجًا في  الحياة العمومية وهو ما يشكل مربط الفرس في برنامج الرئيس وفي أولوية أولوياته.

29. يوليو 2020 - 16:09

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا