سيادة الأمة / محمد عبد الرحمن الحسن

يخبرنا وزراء النظام أنه يستحق مأمورية ثالثة نظرا لما حقق من مكتسبات شملت جميع نواحي الحياة، و من الطبيعي أن مثل هذا الكلام لن ينال قبول المعارضة، حيث أعربت هذه الأخيرة عن رفضها لفكرة تغيير الدستور، خصوصا الجانب المتعلق بعدد مرات انتخاب الرئيس.

و الواقع أن المعارضة قبل نشاطها الأخير

في الداخل كانت تقوم بحبس أنفاسها و مراقبة عقارب الساعة و هي تخطوا نحو انتهاء مأمورية السيد الرئيس الثانية و الأخيرة. لكن الحديث عن مأمورية ثالثة كان كفيل ببعث المعارضة من مرقدها. لتبدأ المعارضة التعبئة ضد نية النظام في الاستبداد بالحكم و تسويق خطابها القديم عن الفساد و الفقر و البطالة و حكم العسكر، و بدوره قام النظام باقتفاء أثر المعارضة في الداخل من أجل تفنيد مزاعمها و نفض الغبار الذي أحدثه مرور المعارضة عن صورة النظام.

و من هنا برزت متناقضة النظام و المعارضة، حيث يقول دعاة النظام أن ما سوى القرآن "يمكن تغييره" في إشارة ضمنية إلى تغيير الدستور، في حين تقول المعارضة بصريح اللفظ "أن الدستور خط أحمر" و الواقع أن أي دساتير 1959 و 1961 و 1991 و 2012 لم يكن "خطا أحمر" و إن كانت جميعها دساتير جامدة، لكن حتى الدساتير الجامدة يمكن تعديلها و "إن بمسطرة خاصة و أكثر تعقيدا من تعديل القوانين العادية" بيد أن المادة 99 قررت نوعا من الحظر يسمى الحظر الموضوعي شمل عدد مرات انتخاب الرئيس، حيث عددت الأمور التي لا يمكن تعديلها و التي منها أن "مدة ولاية رئيس الجمهورية خمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة".

و إذا كانت المادة 99 قد نصت صراحة على عدم جواز تعديل الأحكام المتعلقة بعدد مرات الانتخاب فإن جانبا من الفقه يرى بأن هذا النص الدستوري على عدم تعديل الدستور مخالف "لمبدأ سيادة الأمة" ذلك المبدأ الذي يعتبر هو ركيزة الديمقراطيات الحديثة، و انطلاقا من ذلك يعتبر هذا النوع من الحظر "باطلا من الناحية السياسية و القانونية" ما دام يخالف الارادة الجمعوية للأمة.

و بغض النظر عن القيمة القانونية و السياسية لهذا النوع من الحظر، كيف سيقوم النظام بتغيير هذه الفقرة في ظل المادة 29 التي يتضمن اليمين المدرج فيها أن السيد الرئيس لن يقوم بزيادة عدد المأموريات المقررة بموجب الدستور، أم أنه في السياسية "لا  اعتبار للأيمان" كما رجح حماة الفضيلة.

لقد فرق أهل القانون بين الحقيقية القانونية و الحقيقة الواقعية، هنا أيضا يجب أن نفعل المثل، و نكون أكثر صراحة و واقعية، فالواقع أن هذا النظام الذي يوصف بأنه "فعال لما يريد" لن يمنعه شيء إذا أراد تغيير بعض أحكام الدستور، و بالنسبة للمعارضة لا تملك أي وسيلة من وسائل الضغط في ظل دعوة  النظام إلى الحوار، فأي شيء يريد النظام أن يقنع به المجتمع الدولي ما عليه سوى عقد بعض الاجتماعات في "قصر المؤتمرات" و تمرير رغباته على أنها "من مخرجات الحوار" و إن كان هناك انتخابات أو استفتاء فأقصى ما بيد المعارضة هو المقاطعة "تم في بيتك" ، و لقد رأينا سابقا أن مقاطعة الانتخابات لم تأثر في سيرها، بل غيبت بعض القوى المعارضة و شلتها.

ثم إنه من الجميل أيضا أن نحترم القيم الديمقراطية، و ندعو إلى احترام الدستور، و المؤسسات المقررة بموجبه، لكن من الجميل أيضا لو أننا لم يسبق و أن تأولنا للمارقين على الدستور بوصف فعلهم"حركة تصحيحية" كذلك أيضا كيف ندعوا نظاما لا نعترف بشرعيته إلى احترام الدستور ؟

و الرهان الأكبر بالنسبة للدول النامية هو "الاستقرار السياسي" بغض النظر عن من يحكم، مع الحاجة الماسة إلى نشر قيم العدالة و المساواة. و إذا نظرنا إلى واقعنا لأدركنا أننا نتجاوز الحد في كل شيء، في الحرية، في التعددية الحزبية، في المعارضة، في الموالاة، و حتى في النمط الولائي الذي يصل إلى التقديس.

و حسب رأي أنها مسألة وقت حتى نرى المعارضة تقدم تنازلات من قبيل " منا أمير و منكم أمير" حتى تصل "منكم الأمراء و منا الوزراء" إلى أن تتنازل حتى عن الوزارة، في ظل نظام سيكون الوزراء هم كل شيء فيه، فسحب اعتقادي أن النظام بدل زيادة مأمورية ثالثة سوف يقوم بتغيير النمط السياسي بطريقة يبقى بها الحال على ما هو عليه مع تغيير "شكلي" .

و الدستور في مجمله تعبير عن سيادة الأمة و واقعها المتغير بفعل الحركة الزمنية، و في الأخير ليس من صالح الدستور أن يكون خطا أحمر لأن الدستور الذي لا يسمح بإجراء تعديل لأحكامه يقضي على نفسه مقدما بالسقوط عن طريق الثورة أو الانقلاب، كما يقول الأستاذ لافريير.

7. أبريل 2016 - 15:12

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا