مبادرات الرئيس الموريتاني الخارجية قياسا على إدارته المحلية / باب ولد سيد أحمد لعلي

وأنا أتابع أخبار الأزمة الغامبية في الأيام الماضية حيث لا يُسمع لمدة أيام حرجة وعنيفة جدا غير اسم الرئيس الموريتاني ووساطته ذات الزخم الكبير كان شعوري يتراوح ما بين الفخر حينا وبين التعجبُ أحينا أخرى ، الفخر لأن الإعلام كله منكب على نقل مجريات أحداث تلك الأزمة وليس في تلك الأزمة 

من حل يلوح في الأفق إلا ما سيأتي به الرئيس الموريتاني أو ما سيحقق ، والتعجب لأن القائد الذي يطمح للانتشار وكتابة اسمه على لوحات من التاريخ الأجنبي كمنقذ أو كشخصية دولية يطرح لها ألف حساب وحساب ، عاجز منذ وصوله إلى السلطة عن التعامل مع معارضته ، حتى أقصاها ورماها بعيدا عن مؤسسات الدولة التي يدير..!
من عادتي حب التأمل في تصرفُ القادة لا حبا فيهم ولا بغضا لهم ، لكن من أجل معرفتهم ومحاولة تفسير أفعالهم نفسيا واجتماعيا عن طريق المراقبة ورصد تجليات الفعل وتأثيره ، وبناء على ذلك سأقوم برصد جملة من الأفكار التي تبدو لي على أنها متناقضة تماما تبعا لتناقض أفعال صاحبها او لحساسية موقف معين عنده من آخر.
لقد أتى محمد ولد عبد العزيز على ظهر دبابة وبانقلاب لم يستخدم فيه إلا رنة هاتف رغم القرار الرئاسي الذي صدر ضده ، فدخلت موريتانيا أزمة لم تعرف تاريخيا مثيلا لها ودارت الدوائر واستطاع أن يكسر تلك الأزمة بعد نجاح وساطة الرئيس السنغالي عبد الله واد ، فلم يأبه لمخرجات اتفاق داكار بعد أن نجح في الحملة التي عقبت ذلك الاتفاق ، ولم يعر المعارضة أي انتباه ولم يشركها في الحكم ، فهل تأثر بدور "واد" وبوساطته حتى أصبح مولعا بالتدخل في أزمات الدول المجاورة ، عسى الغاصبين يجدون مخرجا كما وجد هو في تلك الوساطة المخرج؟
فكانت أولى محاولات وساطاته تلك التي قادته إلى محاولة إخماد نار مفتعلة دوليا في ليبيا من أجل إنقاذ حكم "معمر القذافي" فأرسله القذافي للثوار بزعامة مصطفى عبد الجليل الذي كان قائدا للمجلس الانتقالي في تلك الفترة ، لكن عدم قبول الطرفين التنازل للآخر وبالخصوص في ما يتعلق بشأن السلطة جعل وساطة صاحبنا الحالمة تفشل ليعود بالخيبة أدراج الرياح إلى دياره في نواكشوط .
فات الرئيس حينها أن العالم بأسره وبقوته وبجنوده وبما يملك من وسائل مادية وإعلامية قد قرر إنهاء حكم القذافي رحمه الله ، وفات أيضا ولد عبد العزيز في تلك الفترة أن يعرف أن الصداقة في الأمور السياسية لها حدود وأن الوفاء لمن دعمه في وقت حرج بموقف "6/6"  قد لا ينفع أيضا ، وربما استدرك كل ذلك مع قصة السنوسي .
كانت التجربة الأولى ، قبل أن يتدخل في حل الأزمة المالية 2014 وتحلق طائرته على "كدال" والنار تتلظي وتشتعل بين الحركة الوطنية لتحرير أزواد والجيش المالي ليتوقف كل ذلك بقدومه ويوقع الفرقاء على عريضة اتفاق بينهم ينهي اطلاق النار ، لكن الاتفاق نُسيّ أو تناسى بعد ذلك ...!
وأخير جاءت وساطته التي بهرت العالم في غامبيا وصار هو يقدم محاضرات من خلال نجاحه فيها ، كما قال في الاجتماع الذي عقدته اللجنة الرفيعة المستوى في الكونغو ابرازفيل مؤخرا بشأن ليبيا ، لكن لا بد من إبداء ملاحظات بشأن ما قام به الرئيس من مبادرات من أجل حل أزمات من هذا القبيل .
في ليبيا كان للقذافي معه علاقة خاصة مما جعله يأتي إلى موريتانيا من أجل حل الأزمة التي عقبت انقلاب 2008 قبل تدخل "واد" فيها ، ونظر القذافي فيها وقال بالحرف الواحد رحمه الله أمام الفرقاء السياسيين الموريتاني أن الانتخابات والديمقراطية ليست حلا مما دفع بعض من رؤساء الأحزاب السياسية إلى الانسحاب من تلك الجلسة ، طبعا كلامه كان مباركا من طرف ولد عبد العزيز الذي له معه قواسم مشتركة وإن خفا معظم الشبه بينهما عن العامة ، وربما هذا ما جعل ولد عبد العزيز يقوم بوساطة في ليبيا 2011 رغم إقرار كافة الدلائل والإشارات بفشلها .
في مالي  ، تدخل الجيش الفرنسي ضد الجماعات الإرهابية التي كانت تنشط شمال مالي ، وتركت الأزمة دائرة بين ثلاث جبهات رغم سيطرتها على المناطق (الحركة الوطنية لتحرير أزواد ، والجبهة العربية ، والجيش المالي) ومعروف أن الجيش الموريتاني لم يساهم في تلك الحملة التي جندت لها فرنسا بعضا من الدول الإفريقية كما أعلن النظام ، لكن توقف المقاتلين وتوقيع اتفاق بهذه البساطة مع رئيس دولة جارة أمر في غاية الغرابة ، فمن المعروف أنه لابد ان تكون هناك علاقة تأثير أو تأثر بين الطرفين ، فما هي العلاقة التي كانت تربط ولد عبد العزيز بالمُقتتلين في مالي؟ الله أعلم .
أما وساطة غامبيا في قد كتبنا فيها وحاولنا استنطاق دلالاتها بما أتيح لنا من فهم وتحليل ، ولا أظن أن الزيادة فيما قيل مسبقا وارد الآن ...
لكن الغريب أن الرئيس الذي ارتبط اسمه بكل تلك الأزمات وأصبح خيارا دوليا للتصدي لأي نزاع إقليمي تحاصره النزاعات السياسية في بلده دون أن يحرك لها ساكنا ، أو ربما يتعامل معها بطريقته الخاصة .
لقد سيطر داخليا بالقوة وأصبح يريد ان يحصل على السمعة والصيت الخارجي بالعلاقات الشخصية التي تربطه ببعض القادة والرؤساء وبالدبلوماسية.
لكن جدير بالذكر دون أي تموقع سياسيي وبغض النظر عن شعورنا الإيجابي أو السلبي حول كل تلك المبادرات أن ننبه الرئيس أن الشأن الداخلي أولى بالإصلاح من شؤون الآخرين الخارجية دون أن نمس من قيمتها الإنسانية ،
فالتعليم أيضا في موريتانيا يحتاج إلى مبادرة من هذا القبيل ، والعدالة أيضا والصيد والاقتصاد ، والتهميش والإقصاء وكل تلك المشاريع التي تضخ فيها أموال الدولة وتستنزف دون علم أحد ، ناهيك عن الشؤون السياسية التي حالها يغني عن سؤالها ، فمنذ وصول الجنرال إلى الحكم وغرمائه السياسيين خارج الإطار فلم يسعى إلى إقامة حوار جاد معهم دون أن يغالطهم فيه ويحاول التحايل عليهم ، ولم يجبره حسه التحرري وإيمانه بالديمقراطية على اعتبار ما يدعي بخفض الجناح لهم ولو من أجل وطنه ، فلا الحكومة ممثلة من قبل الشعب ولا البرلمان ولا يوظف إلا من رضا عن ولد محم وولد محمد الأقظف وولد حدمين أو هو نفسه أو أحد جنرالاته...!  

2. فبراير 2017 - 15:24

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا