
"في الثالث من أبريل 2025، وبموجب الصلاحيات التي يمنحها الدستور للبرلمان ووفقًا لأحكام النظام الداخلي للجمعية الوطنية، وجهتُ استجوابًا إلى وزير الداخلية واللامركزية والتنمية المحلية. يتعلق هذا الاستجواب بعمليات الطرد الجماعي للأجانب الذين يُعتقد أنهم في وضعية غير قانونية في بلادنا. ووفقًا لشهادات الضحايا، ولمنظمات حقوقية موثوقة مثل الجمعية الموريتانية لحقوق الإنسان (AMDH)، وعدد من النواب البرلمانيين، فإن عمليات الترحيل هذه تتم مع انتهاكات جسيمة لحقوق المهاجرين، مما يسبب حالة من الإحراج العميق والاستياء لدى دول شقيقة ومجاورة، ويعرض مواطنينا في هذه الدول لخطر الانتقام والمعاملة بالمثل.
إن دافع هذا الاستجواب هو الطابع الاستعجالي والخطورة البالغة للوضعية، التي لا تخلو من تذكيرنا بالأحداث المؤسفة لعام 1989، والتي لا نزال ندفع ثمنها حتى اليوم".
كانت تلكم مقدمة بيان صادر في نواكشوط بتاريخ: 09 أبريل 2025، وموقع من طرف النائب كادياتا مالك جالو.
دعونا نتوقف بعجالة عند هذه الفقرة من بيان النائب كادياتا مالك جالو، وذلك من خلال النقاط التالية:
1 ـ صنَّفت هذه الفقرة من بيان النائب كادياتا ما حدث في الأسابيع الماضية في بلادنا من ترحيل لمهاجرين غير نظاميين "بعمليات الطرد الجماعي".
من المؤسف حقا أن تستخدم النائب كادياتا في بيانها عبارة "طرد جماعي" لوصف ما جرى، وذلك في وقت يصف فيه ساسة ونواب ووزراء ورؤساء جاليات الدول المتضررة ما حدث بأنه ترحيل لمهاجرين غير النظاميين.
فلماذا كانت نائبتنا الموقرة ملكية أكثر من الملك في بيانها هذا؟ ولماذا أظهرت تعاطفا مع المهاجرين المرحلين أقوى من تعاطف نواب من دول أولئك المهاجرين، حيث لم يتجرأ أحدهم أن يُصَنِّف ما جرى بكونه "طردا جماعيا"؟
2 ـ حددت النائب كادياتا في بيانها الضحايا الذين تعرضوا لعمليات الطرد الجماعي، بأنهم "الأجانب الذين يعتقد أنهم في وضعية غير قانونية في بلادنا". ويمكنكم أن تضعوا أكثر من خط تحت كلمة "يعتقد". لا يستطيع أي سنغالي أو مالي أو أي مواطن من الدول التي رحل بعض مواطنيها أن يدعي بأن المرحلين كانوا في وضعية قانونية. إن كل من تم ترحيلهم مؤخرا من المهاجرين غير النظاميين صرحوا أمام ممثلي جالياتهم، بأنهم قد استوفوا جميع حقوقهم، وأنهم لا يمتلكون إقامة، وكانت الحكومة الموريتانية قد أعطتهم من قبل ترحيلهم مهلة زمنية طويلة جدا لا تعطيها لمواطنيها، وفتحت لهم التسجيل المجاني بصفته أجانب مقيمين لدى الحالة المدنية، وكل ذلك كان من أجل أن يسووا وضعيتهم القانونية، ولكنهم لم يفعلوا.
إن كل هذه الإجراءات هي التي حالت دون التشكيك في قانونية الترحيل من طرف نخب الدول المتضررة، والكل كان يعلم بأنهم في وضعية غير قانونية، وحدها النائب كادياتا لا تستطيع أن تجزم بأنهم كانوا في وضعية غير قانونية، ولذا فقد لجأت إلى استخدام كلمة: "يعتقد" في بيانها، حيث قالت:" الأجانب الذين يعتقد أنهم في وضعية غير قانونية في بلادنا".
3 ـ أظهر البيان أن النائب كادياتا تستقي معلوماتها عن المهاجرين غير النظاميين المرحلين مؤخرا من بلادنا من ثلاثة مصادر فقط: الضحايا أولا، والمنظمات الحقوقية الموثوقة ثانيا، مثل الجمعية الموريتانية لحقوق الإنسان (AMDH)، ولكم أن تضعوا أكثر من خط تحت كلمة موثوقة، أما المصدر الثالث فهو "عدد من النواب البرلمانيين".
في مقابل شهادات الضحايا، ومن أجل الحد الأدنى من التوازن في مصادر المعلومات، لم تأخذ النائب بعض المعلومات من المصادر الرسمية، وإنما اكتفت هنا بشهادات الضحايا فقط. أما بخصوص منظمات المجتمع المدني، فقد تجاهلت النائب البيان الذي أصدره منتدى المجتمع المدني في يوم 28 مارس 2025، ووقعه ممثلو عشرات المنظمات الحقوقية، نذكر من بينها على سبيل المثال: "منظمة نجدة العبيد". يبدو أن كل هذه المنظمات ليست منظمات موثوقة حسب النائب كادياتا.
تجاهل البيان أيضا شهادة رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الانسان الذي نظم زيارات ميدانية لمقر احتجاز المهاجرين غير الشرعيين، وتجاهل كذلك تصريح رئيس الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب في أعقاب زيارته لمراكز احتجاز المهاجرين غير النئاميين في نواكشوط. وكل هؤلاء يعتبرون ـ حسب النائب كادياتا ـ مصادر غير موثوقة، ولا يمكن أن يأخذ بشهادتهم عن ترحيل المهاجرين غير الشرعيين، ووحدها الجمعية الموريتانية لحقوق الإنسان (AMDH)، والتي ترأسها المحامية "فاتيمتا أمباي"، هي التي يمكن اعتبارها مصدرا موثوقا، وذلك لأنها أصدرت بيانا قويا يوم 06 مارس 2025، عبرت فيه عن استيائها الشديد مما تعرض له المهاجرون الأفارقة في موريتانيا، وأدانت فيه ـ وبأشد العبارات ـ عمليات: "الاعتقال الجماعي والتعسفي"، و ظروف "الاحتجاز اللاإنسانية" التي تعرض لها المهاجرون في موريتانيا، وأكدت الجمعية في بيانها أن ما ترتكبه موريتانيا في حق المهاجرين يشكل "انتهاكا صارخا للكرامة الإنسانية، وللالتزامات الدولية والإقليمية".
وطالبت الجمعية في بيان 06 مارس بالوقف الفوري "للاعتقالات التعسفية" و"الترحيل القسري للمهاجرين"، ودعت المجتمع المدني وكل المدافعين عن حقوق الإنسان إلى التدخل العاجل ل"حماية كرامة المهاجرين" في موريتانيا.
فقط، وللتذكير، فإن هذه الجمعية لم تعلم حتى الآن بأن الجيش المالي قد ارتكب مجزرة في يوم 9 سبتمبر من العام 2012 في حق تسعة من الدعاة الموريتانيين، حتى تُصدر بيان تنديد أو رسالة تعزية من سطر أو سطرين لضحايا تلك المجزرة، ولم تعلم هذه الجمعية أيضا بأن عشرات الموريتانيين قتلوا في السنوات الأخيرة في مالي حتى تُصدر بيانا لتعزية ذويهم. هذه هي المنظمة الحقوقية الموثوقة، والتي تستقي منها النائب كادياتا المعلومات عن أوضاع المهاجرين في موريتانيا.
أما المصدر الثالث المعتمد لدى النائب كادياتا (عدد من النواب)، فلن أعلق عليه، فأنتم تعرفون من هم النواب المقصودين هنا.
4 ـ توصلت النائب كادياتا، واعتمادا على شهادات المصادر المعتمدة لديها إلى الاستنتاجات التالية :
ا ـ أن عمليات الترحيل تتم مع انتهاكات جسيمة لحقوق المهاجرين؛
ب ـ أن ذلك يسبب حالة من الإحراج العميق والاستياء لدى دول شقيقة ومجاورة؛
ج ـ أنه يعرض مواطنينا في هذه الدول لخطر الانتقام والمعاملة بالمثل؛
د ـ أن الخطورة البالغة للوضعية، تذكر بالأحداث المؤسفة في العام 1989، والتي لا نزال ندفع ثمنها حتى اليوم.
هذه هي الاستنتاجات التي توصلت إليها النائب كادياتا في بيانها الغريب في محتواه وتوقيته، وسأكتفي للتعليق عليها بالقول بأن من يحرج حقا الدول الشقيقة والمجاورة هو من يصدر مثل هذه البيانات الغريبة المحتوى والتوقيت، خاصة وبعد أن وصلتنا شهادة في منتهى الإيجابية من رئيس دولة شقيقة كالسنغال، يقول فيها بأنه تلقى خلال مباحثات "بناءة" حول أوضاع السنغاليين في موريتانيا "تطمينات" قوية من شقيقه الرئيس الموريتاني بخصوص تلك الأوضاع ، داعيا في الوقت نفسه مواطنيه المقيمين في موريتانيا إلى احترام قوانين البلد المضيف، ومؤكدا أن الرئيس غزواني كان يُدافع عن مصالح السنغال في ملفات حساسة كانت الحكومة السنغالية تجهل تفاصيلها، مما يعكس قوة العلاقة بين البلدين الشقيقين.
ومن يُحرج حقا الدول الشقيقة، هو من يُصدر مثل هذا البيان الغريب في محتواه وفي توقيته، بعد أسبوع واحد من عزل رئيس الجالية المالية في موريتانيا في خطوة تؤكد أن الجالية المالية ومن ورائها الحكومة المالية أصبحت تتفهم كثيرا ما قامت به الحكومة الموريتانية من ترحيل للأجانب غير النظاميين.
ومن يحرج حقا الدول الشقيقة هو من يُصدر هذا البيان الغريب في مثل هذا التوقيت بالذات، وكأنه أراد أن يبعث من خلاله برسالة في غاية الاستعجال إلى الرئيسين السنغالي والمالي، يقول من خلالها : لقد أخطأت يا رئيس السنغال بحديثك عن "التطمينات بخصوص جاليتكم في موريتانيا"، ولقد أخطأت يا رئيس مالي عندما قبلت بتغيير رئيس جاليتكم في موريتانيا، فمثل ذلك سيفهم منه رضاكم عن تعامل حكومة موريتانيا مع جاليتاكم في بلدنا.
وإن من يعرض مواطنينا في السنغال وفي بقية الدول الأخرى لخطر حقيقي، وإن من يستدعي أحداث 1989 المؤلمة، هو من يصدر مثل هذا البيان الغريب في محتواه وتوقيته، وذلك بعد أن لاحظ الجميع أن النخب في البلدان الشقيقة والمجاورة بدأت تتفهم ما جرى في موريتانيا، وبدأت تلتزم بالصمت حيال ممارسة موريتانيا لحقها السيادي في ترحيل المهاجرين غير النظاميين.
إن النائب كادياتا تقول بلسان الحال من خلال إصدارها لهذا البيان الغريب في محتواه وتوقيته، لنخب الدول الشقيقة التي اختارت السكوت، لم صمتم الآن؟ لماذا لا تعودوا إلى حملتكم ضد موريتانيا تضامنا مع مواطني بلدكم الذين يتعرضون للطرد الجماعي وللانتهاكات الجسيمة لحقوقهم؟
فهل تريدون دليلا على ذلك؟.
إليكم هذا الدليل القوي، والذي أقدمه إليكم من خلال هذا البيان، فهل هناك دليل يمكن أن تنتظروه أقوى من دليل: "وشهد شاهد من أهلها"؟ أليس ذلك دليلا قويا، وخاصة إذا كان الشاهد ليس مواطنا موريتانيا عاديا، وإنما هو نائب مثلي له مكانته المعتبرة في البرلمان الموريتاني؟
حفظ الله موريتانيا
محمد الأمين الفاضل