
هل يُعدّ خطر غمر مدينة نواكشوط بمياه البحر خيالاً أم حقيقة؟
هذا ليس مجرد محولة لفت للانتباه أو صرخة مفزعة، بل هو واقع ملموس ومقلق؛ فهناك تهديدات شبحية تلوح في الأفق الغربي لنواكشوط.
ليس الأمر إنكارًا وطنيًا، ولا يتعلق بقوة غازية تهددنا، بل بتلك التي قد تُطلقها البحار يومًا ما. وهذا اليوم الذي يجب تفاديه سيكون مصيريًا.
برنامج التنمية الأولوية لمدينة نواكشوط، الذي تم إطلاقه في 20 يناير 2025، يُعد فرصة تاريخية للتفكير الشامل في مستقبل مدينة تضم تقريبًا ثلث سكان البلاد بشكل سنوي.
يتعين على القوى الحية للأمة، بمختلف توجهاتها، أن تتولى زمام مشروع تحديث المدينة الذي أطلقته الحكومة مؤخرًا، وأن تقدم قراءة نقدية ومساهمة فعّالة فيه.
مدينة نواكشوط، وبغض النظر عن كونها عاصمة البلاد، تمثل واجهتها وصورتها في نظر العالم.
تعود إلى ذهني ذكريات محادثات مع المسؤولين الإداريين الإقليميين لولاية نواكشوط الذين رأوا في منطقة المطار في ذلك الوقت فرصة لإعادة تنظيم وإنشاء مركز مدينة حديث مع مساحات خضراء؛ ومن المؤسف جدًا أن الأمور تختلف اليوم عن تلك التصورات.
لقد صنعت مدن عديدة حول العالم شهرة بلدانها، متفوقة كمقاصد عالمية بارزة.
إنها مصادر ازدهار لسكانها؛ وعندما تستند الرؤية إلى أسس قانونية قوية، يصبح الأمل ممكناً وقابلاً للتحقيق.
على سبيل المثال، تُظهر لنا قصة مدينة سنغافورة الملهمة كل ما يمكن أن نفعل. فعند استقلالها في عام 1965، كانت تواجه تحديات جسيمة، لكنها استطاعت أن تتحول إلى واحدة من أبرز الوجهات العالمية. سنغافورة الآن تتميز بامتلاكها أقوى جواز سفر عالمي وبإطار حياة عصري متطور محاط بجمال نباتي محافظ عليه بعناية فائقة. إن قصة نجاحها صارت مصدر إلهام لمن يطمحون إلى بناء مستقبل أفضل.
مستقبل عاصمتنا، وكذلك مصيرها، مرتبطان بما سنفعله تجاه شريطنا الساحلي؛ وفي بعض الأحيان، لا يُسمح بارتكاب أي خطأ.
هل يجب أن نأمل في الحفاظ على شريطنا الساحلي؟ بالتأكيد نعم، فالحفاظ عليه ليس مجرد أمل، بل ضرورة استراتيجية لضمان استدامة المدينة وحمايتها من المخاطر البيئية التي تهددها.
من منا لا ينزعج عند رؤية أسوار خرسانية مشيدة دون دراسة لتأثيرها البيئي، تحجب شاطئنا وتمنع الوصول إليه؟ وكم من مرة شهدنا تلك البراءة المذنبة للعائلات التي تقود سيارات الدفع الرباعي بصوت محركاتها العالي، وتقوم بسباقات على الشريط الرملي الواقي الذي أصبح ضعيفاً وهشاً؟
تجاربنا في الموانئ مليئة بالدروس التي تستحق التأمل والاستفادة منها والبناء عليها.
خطر الغمر أصبح أكبر اليوم من أي وقت مضى في حال حدوث ظواهر مناخية جديدة على واجهة المحيط الأطلسي. إن الكتل الجليدية الضخمة العائمة تُعتبر تحذيرًا يجب أخذه بعين الاعتبار.
يجب أن تستند خطة تحديث العاصمة إلى إدارة شاملة للشريط الساحلي. فلا يمكن تأجيل الحماية من خطر الغمر البحري، سواء من خلال بناء بنية تحتية مناسبة أو تركيب معدات مراقبة فعّالة. هذه الإجراءات ضرورية لضمان مستقبل مستدام ولحماية المدينة من التحديات البيئية المتزايدة.
سيكون من الضروري أيضًا استغلال الإمكانيات الاقتصادية العالية للشريط الساحلي من خلال جذب مستثمرين مرموقين، بهدف خلق بيئة تدعم الرفاهية والازدهار. العوامل المُضاعفة والمحركات الاقتصادية للنمو ستساهم في تحقيق ازدهار اقتصادي مشترك، مما يمنح مدينة نواكشوط إشعاعًا وتأثيرًا أكبر على المستويات الإقليمية والدولية.
تعتني الأمم العظيمة بجيل اليوم تمامًا كما تهتم بالأجيال القادمة. هذا النهج يعكس رؤية طويلة الأمد مبنية على الاستدامة، والعدالة بين الأجيال، وضمان مستقبل أفضل للجميع.
حماية نواكشوط من خطر الغمر البحري وتحديثها يتطلبان التزامًا جماعيًا يتجاوز كل الاعتبارات.
وهنا ندعو الجميع، من مبادرة "ريندو موريتانيا"، إلى جعل هذه القضية شأنًا وطنيًا، ضمن رؤية مشتركة مع المؤسسات الحكومية، والمجتمعات المحلية، وأطراف المجتمع المدني.
إن التكاتف والعمل المشترك هما المفتاح لضمان مستقبل مستدام وآمن للمدينة وسكانها.
صيدو حسن صال
إداري مدني