
تُمثل الوحدة الوطنية في موريتانيا حجر الزاوية الذي يقوم عليه الاستقرار والتقدم والازدهار، خاصة في ظل التنوع الثري الذي يميز المجتمع الموريتاني. إن الحفاظ على هذه الوحدة وترسيخها ليس مجرد هدفً، بل ضرورة حتمية تتطلب تضافر الجهود وتبني رؤية استراتيجية شاملة ومتكاملة.
في الأسطر التالية سنحاول وضع مجموعة من النقاط علنا نساهم في استكشاف أبرز المحاور التي يجب التركيز عليها لتعزيز الوحدة الوطنية في موريتانيا، وتحويلها إلى قوة دافعة نحو مستقبل أفضل لجميع أبناء الوطن.
العدل والمساواة: أساس راسخ للوحدة
لا يمكن للوحدة الوطنية أن تزدهر في بيئة يسودها التمييز أو غياب العدالة. لذا، فإن الخطوة الأولى نحو تعزيزها تكمن في ضمان سيادة القانون وتطبيقه على الجميع دون استثناء، بغض النظر عن العرق أو الانتماء الجهوي أو الاجتماعي. إذ يجب أن تُترجم مبادئ العدالة إلى فرص متساوية في التعليم والتوظيف والصحة والخدمات العامة، مع إيلاء عناية خاصة للمناطق التي عانت من التهميش التاريخي، وتقديم الدعم اللازم لردم الفجوات التنموية.
كما أن مكافحة الفساد بكل أشكاله وتعزيز الشفافية والمساءلة يُعد ركيزة أساسية لبناء الثقة في المؤسسات وتعزيز الشعور بالمواطنة المتساوية. ولا يمكن إغفال أهمية معالجة مظالم الماضي بمسؤولية وعدل، من خلال آليات المصالحة وجبر الضرر، كخطوة ضرورية نحو تجاوز الخلافات وتعزيز الثقة المتبادلة بين كافة مكونات المجتمع.
مشاركة سياسية شاملة: صوت لكل مواطن
الوحدة الوطنية الحقيقية تتطلب مشاركة فاعلة من جميع أطياف المجتمع في صنع القرار. لذا، يجب ضمان تمثيل عادل لكافة المكونات الاجتماعية والثقافية في مختلف المؤسسات الحكومية والمنتخبة، على المستويين الوطني والمحلي. كما أن تعزيز دور منظمات المجتمع المدني والاستماع إلى آرائها ومقترحاتها يُثري الحوار الوطني ويساهم في اتخاذ قرارات أكثر شمولية.
إن ضمان حرية التعبير والرأي والتجمع السلمي، وترسيخ المؤسسات الديمقراطية وضمان نزاهة وشفافية الانتخابات، هي خطوات حيوية لتمكين المواطنين من المشاركة الفعالة في بناء مستقبل وطنهم وتعزيز وحدته.
تنمية اقتصادية متوازنة: عدالة في توزيع الثروات
لا يمكن للوحدة الوطنية أن تستدام في ظل تفاوت اقتصادي كبير بين المناطق والفئات الاجتماعية. لذلك، يجب تبني سياسات اقتصادية تهدف إلى تحقيق توزيع أكثر عدالة للثروات والموارد، وتوجيه الاستثمارات نحو المناطق الأقل نموًا لخلق فرص عمل وتحسين الظروف المعيشية وتطوير البنية التحتية، وفي هذا السياق، قد يكون تبني سياسات تمييز إيجابي لصالح المناطق التي عانت تاريخيًا من التهميش، مثل مناطق “آدوابة”، ضروريًا لمعالجة الآثار السلبية للماضي.
كما أن دعم القطاعات الاقتصادية المنتجة ومكافحة البطالة والفقر، خاصة في صفوف الشباب والفئات الهشة، وتشجيع التمدرس، مع إعطاء أولوية للمتعلمين من الفئات الفقيرة، يساهم في تعزيز الشعور بالانتماء والمواطنة المتساوية.
تسامح وحوار ثقافي: جسور التواصل والتفاهم
في مجتمع متنوع ثقافيًا واجتماعيًا كموريتانيا، يلعب التسامح والحوار الثقافي دورًا حاسمًا في تعزيز الوحدة الوطنية. يجب تجريم ومكافحة جميع أشكال خطاب الكراهية والتمييز، والعمل على إدراج قيم التسامح والمواطنة في المناهج التعليمية. دعم المبادرات التي تعزز التفاهم والتبادل الثقافي بين مختلف المكونات الاجتماعية، والتركيز على العناصر المشتركة في التاريخ والتراث والثقافة الوطنية، يساهم في بناء جسور من التواصل والثقة وتعزيز الشعور بالانتماء المشترك.
إعلام وطني مسؤول وقيادات مؤثرة: أدوات التوعية والترسيخ
ولعلنا نحن الإعلاميون معنيون هنا أكثر من غيرنا إذ تقع على عواتقنا مسؤولية كبيرة في تعزيز الوحدة الوطنية من خلال تقديم تغطية متوازنة تعكس تنوع المجتمع، والالتزام بأخلاقيات المهنة ومكافحة الأخبار الزائفة وخطاب التحريض.
وهو الدور ذاته الذي يجب على القيادات الدينية والاجتماعية أن تقوم به للعب دور محوري في نشر قيم التسامح والاعتدال والتعايش السلمي، وتشجيع الحوار بين الأجيال وحل النزاعات بالطرق السلمية، والمساهمة في جهود التنمية المحلية.
تعزيز الانتماء الوطني: هوية جامعة
في نهاية المطاف، تتطلب الوحدة الوطنية تعزيز الشعور العميق بالانتماء للوطن. يتحقق ذلك من خلال:
إحياء المناسبات الوطنية،
احترام الرموز الوطنية،
دعم المبادرات التي تهدف إلى تعزيز الوحدة والتلاحم الاجتماعي،
غرس قيم المواطنة في نفوس الشباب.
كخلاصة: إن تعزيز الوحدة الوطنية في موريتانيا ليست مهمة سهلة، بيد أنها هدف نبيل وضروري لتحقيق الاستقرار والتقدم والازدهار لجميع أبناء الوطن. وذلك من خلال تبني مجموعة النقاط آنفة الذكر