
إن المتأمل في وضع بلدنا اليوم، وما يشهده العالم من تحولات إقليمية ودولية كبرى، يرى ضرورة ملحة للحوار والعمل على تقوية الجبهة الداخلية وتحصينها من كل ما من شأنه أن يزعزع أمننا القومي.
عطفًا على ذلك، و في خضم حديث الرئيس و الحكومة عن حوار شامل لا يُقصي أحداً ولا يستثني أي موضوع، ينبغي على جميع الفرقاء السياسيين والمهتمين بالشأن العام المشاركة بكل جدية وحزم من أجل إنجاحه والخروج بتوصيات واقعية و عملية تمس من المواطن الموريتاني البسيط والبعيد عن مركز القرار. فالحوار، و رغم بعض الشكوك التي تحوم حوله يُعد فرصة استثنائية ليجلس الجميع -من موالاة ومعارضة ومهتمين بالشأن العام- على طاولة المفاوضات ويبحث سويا عن حلول استعجالية لحلحلة بعض المشاكل العالقة منذ فترة والتي تحتاج تضافر جهود الجميع. والأهم من ذالك، الخروج بضمانات ملموسة للتأكد من تطبيق مخرجات هذا الأخير وتفادي الوقوع في أخطاء الحوارات السابقة التي عرفها البلد.
وفي هذا الصدد ارتأيت تقديم رؤية و تصوّر لمحتوى ومخرجات هذا الحوار وضمانات لتنفيذ ما سيتم الإتفاق عليه.
أولاً: رؤية و تصوّر لمحتوى و مخرجات الحوار
موضوع واسع و متشعب لكثرة المحاور التي يمكن ادراجها داخله، لكني أجملتها في النقاط التالية :
1. المحور السياسي:
يعتبر من أهم المحاور، إذ يمكن من إرساء دعامة صلبة لمنظومتنا الديمقراطية، مما سيساهم في تعزيز الأمن والاستقرار و سيمكن من إعطاء شرعية لا خلاف فيها لمن يفوز بأي منصب انتخابي.
وفي هذا الإطار أقترح ما يلي:
-الاتفاق على القانون المنظم للأحزاب السياسية حتى يكون محل إجماع من الجميع قدر الإمكان
-وضع شروط للترشح سواءً تعلق الأمر بانتخابات بلدية أو جهوية أو تشريعية أو رئاسية. مثل وضع حد أدنى للمستوى الأكاديمي والعلمي المطلوب(كشهادة جامعية مثلاً )و تحديد سن أقصى للترشح لتفادي الخرجات غير الموفقة لبعض المنتخبين.
-غربلة آلية تنظيم الانتخابات، و وضع حد لاستخدام نفوذ و موارد الدولة في الحملات الانتخابية و أيام الاقتراع -بعد الأشواط الكبيرة التي قطعت على مستوى الآلية التقنية للاقتراع- بما يضمن تكافؤ الفرص واحترام إرادة الناخبين.
-تحديد قائمة المناصب السياسية وفصلها عن غي
2. المحور الاقتصادي:
الاقتصاد هو شريان الأمن والإستقرار و الوحدة الوطنية، لذا ينبغي العمل على بلورة حلول استعجالية وغير تقليدية تُمكّن كلّ الموريتانيين من العيش في ظل و رخاء.
ولهذا، أرى:
-مراجعة نظام الأجور، لإعطاء قيمة للعمل، وبث روح جديدة في الإدارة الموريتانية، وتقليص الهوة الموجودة اليوم و التي لا تخدم السلم و الأمن القومي.
-دعم أسعار المواد الغذائية الأساسية و المحروقات لتخفيف العبء على ذوي الدخل المحدود.
-الخروج بمسطرة عملية وجادة لمحاربة الفساد من خلال تفعيل المؤسسات الرقابية في القطاعين الخاص والعام ومنح الحصانة للمسؤولين عنها.
-وضع استراتيجيات طويلة المدى لاستغلال لثرواتنا الوطنية من صيد ومعادن و غاز و هيدروجين أخضر فضلاً عن مواردنا الحيوانية و الزراعية.
-تقييم الخطة و الإستراتيجية الزراعية التي انفقت عليها الدولة الكثير للوقوف على مدى فاعليتها في الوصول إلى تحقيق الإكتفاء الذاتي والعبور إلى الأمن الغذائي في عالم متحول ولا مكان فيه للضعيف.
3. المحور الاجتماعي:
مما لا شك فيه بأن أكبر نقاط قوة بلدنا هو تنوع نسيجنا الاجتماعي، لذا ينبغي العمل على تعزيز الوحدة الوطنية من خلال طي صفحة الإرث الإنساني وايجاد آليات للتقارب والتعايش بين أبناء الوطن على اختلاف أعراقهم و ألسنتهم. ولتحقيق ذلك و عطفا على ما قامت به الدولة في هذا المجال من مجهودات كبيرة في الآونة الأخيرة، أقترح النقاط الآتية :
-تشييد عمارات سكنية من طرف كل قطاع وزاري و فتحها أمام عماله مما يعزز فرص احتكاك كل مكونات المجتمع بعضها ببعض مقابل مقتطعات شهرية و يساهم في حل مشكلة الإسكان.
-دراسة جدوائية عمليات التدخل الأخيرة لمندوبية تآزر والتركيز على خلق وتمويل مشاريع صغيرة للمستهدفين بدل التقسيمات النقدية المباشرة والتي لا شك بأنها تخفف من عبء العيش داخل الأوساط الهشة.
-مواصلة جهود الدولة في مكافحة الغبن والتهميش على غرار السجل الاجتماعي مع إدخال آليات تضمن الشفافية في اختيار المستفيدين.
ثانيا: ضمانات لتنفيذ المخرجات والتوصيات
لكي لا يضيع الوقت وتذهب الجهود سدى، أقترح طرح الضمانات التالية من بين الكثير من الشروط التي يمكن وضعها لتنفيذ المخرجات و التوصيات
1. عرض مخرجات الحوار في جلسة علنية أمام البرلمان، والتصويت عليها، ودمجها في استراتيجية استعجالية للحكومة.
2. إنشاء لجنة مكونة من جميع الأطراف السياسية (موالاة ومعارضة)، تُعنى بالعمل على تطبيق مخرجات الحوار، و متابعة مختلف مراحل تنفيذه
3. إشراك المواطنين وأصحاب الرأي وكل المهتمين بالشأن العام، عبر إطلاعهم على مراحل تقدم العمل بتوصيات الحوار من خلال مؤتمر صحفي شهري أو فصلي مصحوب بتقرير مفصل.
"وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون."