
في زمن تتسابق فيه المؤسسات نحو تحقيق الأرقام والمراكز، نغفل أحياناً عن البعد الإنساني في القيادة، وهو ما يُشكل في الواقع مفتاح النجاح الحقيقي والدائم. تحضرني هنا قصة الملياردير ريتشارد برانسون، حين زار أحد فروع شركته دون سابق إنذار، فوجد موظفاً نائماً على الأريكة.
في مشهد قد يستفز الكثير من المدراء ويدفعهم إلى التوبيخ وربما الطرد، اختار برانسون زاوية أخرى: التقط صورة بجانب الموظف النائم وعلّق قائلاً: "لكي تبقى شركتنا الأولى في إرضاء عملائنا، عمل هذا الموظف حتى التعب مما اضطره للراحة قليلاً."
هذا التصرف البسيط العميق، لم يُظهر فقط تفهّماً إنسانياً للحالة، بل بعث برسائل قوية:
للموظفين: بأنهم محل ثقة وتقدير.
وللعملاء: بأن وراء الخدمة الممتازة فريق يعمل بإخلاص حتى الإرهاق.
وللإدارة: أن القيادة ليست إصدار أوامر، بل إدراك لحقيقة البشر وتقدير لجهودهم.
إننا بحاجة إلى هذا النوع من التفكير في مؤسساتنا، خاصة في العالم العربي، حيث لا يزال الكثير من المسؤولين يربطون السلطة بالصرامة فقط، ويغفلون عن قوة التحفيز وذكاء الاحتواء. فالفرق بين من يجرحك بأخلاقه ومن يحرجك بأخلاقه، هو ما يميز بين المدير العادي والقائد الحقيقي.
النجاح لا يأتي صدفة، بل يُبنى على ثقافة مؤسسية تقدر الإنسان، تحترم الجهد، وتزرع الثقة. الإدارة فن، والنجاح ثمرة هذا الفن حين يُمارس بحكمة ورحمة ووعي.
ويبقى السؤال الذي يستحق التأمل:
هل تظنون أن هذا الموظف، بعد هذا الموقف الإنساني، سيتوانى في بذل الجهد أو سيقصر في الإخلاص لمديره ومؤسسته؟
بل العكس، سيجد ويجتهد أكثر، لأن التقدير الصادق يصنع الولاء، والاحتواء يولّد الحماس والانتماء.
أحمدو سيدي محمد الكصري
باحث في الشأن العام