في خضم العواصف الاقتصادية العالمية، التي أطلقت شرارتها الحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، تقف الدول النامية على مفترق طرق.
فمنها من ينتظر تداعيات الأزمة، ومنها من يسعى لتحويل التحديات إلى فرص.
وتأتي موريتانيا ضمن الدول التي تمتلك الإمكانيات، لكنها بحاجة إلى رؤية استراتيجية وخطوات استباقية.
الحرب التجارية التي بدأها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، مستخدمًا سلاح التعريفات الجمركية ضد الصين، سرعان ما امتدت آثارها لتطال الاقتصاد العالمي بأكمله.
وقد ردت الصين بفرض تعريفات مضادة، ما أدى إلى اضطراب الأسواق وتذبذب المؤشرات الاقتصادية في العديد من الدول، مثل اليابان وتايلاند وغيرهما من الاقتصادات المؤثرة.
يرى العديد من المحللين أن هذه الحرب تهدف إلى كبح جماح الصعود الصيني، والحفاظ على التفوق الأمريكي في الساحة الاقتصادية الدولية.
إلا أن تداعيات هذا الصراع لم تتوقف عند حدود البلدين، بل شملت معظم دول العالم بدرجات متفاوتة.
ومن أبرز مظاهر هذه التداعيات، ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية، وانخفاض أسعار المواد الأولية مثل النفط والطاقة.
ففي الولايات المتحدة، ارتفعت تكلفة بعض المنتجات المستوردة من الصين بشكل لافت؛ على سبيل المثال، أصبح القميص الذي كان يُباع بعشرة دولارات يُباع بأكثر من ثلاثين، ما دفع العديد من الشركات الصينية إلى نقل مصانعها إلى دول أخرى لا تشملها التعريفات الأمريكية المرتفعة.
وهنا تظهر موريتانيا كفرصة واعدة في قلب الأزمة.
فرغم أنها ليست طرفًا في هذا النزاع الاقتصادي العالمي، إلا أن تبعاته لن تستثني أحدًا.
غير أن طبيعة هذه الأزمة تفتح أمام موريتانيا أبوابًا يمكن أن تؤدي إلى نهضة اقتصادية حقيقية إذا ما تم استغلالها بالشكل الصحيح.
تمتلك موريتانيا موقعًا استراتيجيًا يطل على المحيط الأطلسي، واستقرارًا سياسيًا، وعلاقات دبلوماسية متوازنة مع معظم دول العالم.
وهي عوامل تجعلها بيئة مناسبة لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية، خاصة تلك الباحثة عن بدائل للصين في مجالات التصنيع والتصدير.
لكن من أجل تحقيق هذه الغاية، تحتاج موريتانيا إلى تطوير بيئة الاستثمار، من خلال تسهيل الإجراءات، وتحسين البنية التحتية، وتقديم حوافز حقيقية للمستثمرين الأجانب، وعلى رأسهم الصينيون الذين باتوا يبحثون عن مواقع جديدة لتمركز صناعاتهم.
إن الظرف العالمي الراهن قد يبدو كارثيًا لبعض الدول، لكنه لموريتانيا قد يكون بابًا واسعًا نحو إطلاق نهضة صناعية شاملة، تعيد تموضعها في خارطة الاقتصاد العالمي، وتحقق لها قدرًا من الاستقلال الاقتصادي والتنمية المستدامة.
وكما قيل قديمًا: “مصائبُ قومٍ عندَ قومٍ فوائدُ”