الاتصال وإدارة الأزمات...فرانشيسكا نموذجا / المصطفى ولد البو

كانت الصحفية الإندونيسية فرانشيسكا روزانا منتصف شهر مارس الماضي، تنتظر بترقب طردا بعثه لها أحد أصدقائها، وعندما وصلها لم تدقق فيه بما فيه الكفاية، لاعتقادها بأنه الطرد المنشود، لكنها تفاجأت عندما فتحته، بوجود رأس خنزير مشوه، فما كان منها إلا أن صرخت رعبا واشمئزازا من هول المشهد.
تقول فرانشيسكا إن هذه الهدية الصادمة كانت جزء من هدايا أرسلت إلى مؤسسة "تيمبو" التي تعمل لها، معتبرة الأمر جزء من مسلسل تخويف وإرهاب يستهدف الصحفيين. وأشارت إلى أن حسابا على انستغرام راسلها مهددا " إذا كانت رؤوس الخنازير عندكم قد نفدت، يمكننا إرسال المزيد" 
هذه القضية تشعبت بطبيعة الحال، لأن كل العوامل سواء المكونة لها أو المحيطة، تساعد على ذلك، أولا الموضوع تهديد بأسلوب فريد وجريء وثانيا، يستهدف مؤسسة وصحفية معروفة وثالثا أسهم الضغط الشعبي وخاصة السوشيال ميديا في تداوله بشكل فيروسي حتى وصل إلى هرم السلطة وأجبره على التعامل معه.

ماذا عن تعاطي الحكومة في إندونيسيا مع هذه القضية؟
أطــــبــــــــخـــــوه
بينما كان الجميع ينتظر ردا حكوميا على هذه القضية التي يعتبر كثيرون أنها تهدد الحريات في ثالث أكبر ديمقراطيات العالم، خرج متحدث باسم الرئاسة الإندونيسية قائلا " أطبخوه" وهو التعليق الذي أثار جدلا واسعا وفُسر على أنه تشجيع على هذا العمل المشين حسب زملاء فرانشيسكا من جهة، واستخفاف واضح بالحادث وسخرية ليس هذا وقتها أو مكانها يضيفون، ظهر الرجل بعدها موضحا بالقول إنه يتضامن مع المؤسسة وأن حكومته تعتبر حماية الصحفيين من أساسيات عملها ومن صُلب برنامجها.

الصــــــــمــــــــت
يعتبر الصمت المطبق أثناء الأزمات أمرا سلبيا للغاية، وينذر غالبا بتفاقمها، إذ لا يجب ترك المجال لمروجي الشائعات لينسجوا بحرية ما يريدون من قصص وسيناريوهات، وبالتالي فإن ردة الفعل يجب أن تكون سريعة لكنها يجب أن تكون مدروسة أيضا، وفي الحالة التي هي موضوع هذا المقال، تم ارتكاب خطأ فادح، تمثل في الصمت أولا ثم الخروج بتصريح غير موفق مما أضعف موقف الحكومة، وهو الضعف الذي جنّد جزء معتبرا من الرأي العام لصالح الصحفية، التي ظهرت في بودكاست شهير في البلاد موغلة في تعقيد الموقف ومغلبة سرديتها المعنونة بــ " يريدون إخافتنا لأنهم خائفون من الحقيقة"
 
طبيعة الحادث تتطلب تجاوبا خاصا 
يُعتبر تحليل المعلومات من أساسيات فن أو علم الاتصال، وبالتالي فإن تعليق المسؤول الحكومي المثير للجدل على الحادث يعكس غياب أو تجاهل هذه النقطة الهامة، فالمشهد له زوايا لافتة، فالصحفية سيدة وهي مسيحية، في بلد غالبيته مسلمة والطرد الذي تسلمته يحتوي على رأس خنزير مشوه، لتتكون بذلك صورة تحمل الكثير من الرموز والدلالات، فكان ينبغي تحليل هذه المعلومات وتفريغ ما تحمل من شحنات دينية وسياسية واجتماعية ثم تجهيز الأدوات التي تتناسب مع جوانب هذه الصورة، كجزء من خطة من المفروض أنه تم وضعها مسبقا، خطة تنقسم إلى شقين، الأول اتصال داخلي يخاطب الرأي العام المحلي والثاني خارجي موجه للإعلام الدولي استباقا لأي تغطية قد لا تكون منصفة.

غياب التخطيط 
من خلال متابعتي لهذه القضية، يمكن  الجزم بنسبة كبيرة، أنه لم يكن هناك تخطيط مسبق أو خطة جاهزة للتعامل مع هذا الموقف، ولتعزيز هذه القناعة، قمتُ ببحث سريع لتقع عيني على رأي لأستاذ علوم الاتصال بجامعة جادجا يدعى نياوري أحمد، ونُشر على الموقع الإلكتروني للجامعة، قال فيه إن الرئاسة الإندونيسية تحتاج وضع استراتجيات واضحة لمواجهة الأزمات، وأن الرسالة لا يكفي أن تصل إلى وجهتها، وإنما يجب أن يكون لها تثير على الجمهور، وهذا يتم من خلال المتابعة والتقييم والتي تعتبر جزء من الخطة الاتصالية، مؤكدا على أن تكرار هذا التعاطي العشوائي مع أزمات من هذا النوع، يعطي انطباعا بأن الحكومة في صف تكميم الأفواه وليست داعمة لحرية التعبير كما تقول.

تبني الأسلوب الدفاعي  
اعتماد الحكومة على أسلوب الدفاع فقط، لم يكن موفقا من الناحية الاتصالية، لأن هذا الأسلوب يعكس نوعا من العدوانية والجنوح إلى تبرير الأخطاء وإلقاء اللوم على الآخرين، ويساعد على وضعها في دائرة الاتهام أمام الرأي العام، وكان الأفضل هو إظهار التعاطف الكبير وتحري الشفافية لأنها جزء من الحل بالإضافة إلى تجنب التقليل من شأن الأزمة وإيصال انطباع بالاعتراف بها، كما أن هذا الأسلوب قد يؤدي ببعض الحكومات إلى تصنيف بعض وسائل الإعلام أو الناشطين كأعداء، مما يُعقد الموضوع ويسهم في حشرها أكثر في الزاوية.

الفجوة بين إدارة الاتصال وانتشار الأخبار المزيفة  
من المهم ونحن نضع الخطة الاتصالية، أن نعي جيدا أن انتشار الأخبار المزيفة والتطور اللافت في الأدوات المستخدمة ومنها الذكاء الاصطناعي، تشكل كلها تحديا يجب التعامل معه بأدوات خاصة، وعليه كان يجب أن يكون هناك فريق متخصص بالرد تقنيا على الشائعات والأخبار المزيفة المرتبطة بالقضية، بالتزامن مع سير مراحل الخطة الأخرى، وهو ما لم يحدث في هذا المثال، حيث لاحظت تدفقا كبيرا للأخبار المزيفة وبعضها تم توليده بالذكاء الاصطناعي بهدف تأليب الرأي العام وتهديد السلم الاجتماعي.

ما نحتاجه لإدارة الاتصال في فترة الأزمات:
تحديد المشكلة والاطلاع الكامل على أسبابها وخلفياتها 
التخطيط والإعداد الجيد للتعامل مع الأزمة
استشراف مدى تأثير الأزمة تعزيزا لجهود الاستجابة لها 
تشكيل فريق من الكفاءات المتخصصين في الإعلام والاتصال 
تشكيل فريق من المسئولين المكلفين بمتابعة القضية 
تحديد ناطق رسمي بهدف التحكم بشكل دقيق في الرسائل الصادرة 
رسم خط زمني للأزمة لتسهيل متابعتها
العمل على بناء الثقة مع الجمهور قبل وأثناء تفاقم الأزمة 
تحديد الرسائل الرئيسية ويُشترط أن تكون واضحة وبسيطة ومباشرة 
استخدام قنوات اتصال مختلفة للتأكد من الوصول إلى كل من يعنيه الأمر
الرصد وعدم الانقطاع عن الجمهور المستهدف
التعاطي الذكي مع شراهة وسائل الإعلام للمعلومات  
عدم نشر البيانات المصاغة بطريقة غير مهنية 
التعاطف وإظهار مشاعر التضامن أمر مهم 
الانفتاح والشفافية 
التقييم والمتابعة
التدريب عن طريق محاكاة التعامل مع أزمات معينة  

إن إدارة الاتصال في فترة الأزمات هو استراتيجية هدفها أولا هو فهم ومنع حدوث الأزمات ثم في مرحلة أخرى، تخفيف تأثير الأحداث أو المواقف غير المتوقعة التي تهدد سمعة أو صورة حكومة أو مؤسسة، واستعادة ثقة الجمهور، وتقليل الأضرار طويلة الأجل الناجمة عن الأزمة، وهي خطة تقوم على نشر المعلومات الدقيقة في الوقت المناسب، واتخاذ قرارات حاسمة وسريعة لمعالجة الأزمة بفعالية، وهي الباقة التي تدمج استراتيجيات الاتصال المختلفة بما في ذلك العلاقات العامة والإعلام  ووسائل التواصل الاجتماعي، وقد انتبهت الكثير من الحكومات والشركات لأهمية هذا الفن ورصدت له ميزانيات ضخمة وجندت له أفضل الكفاءات تعزيز لمستوى الاستجابة للأزمات وحفاظا على صورتها العامة أمام الجمهور.

16. avril 2025 - 23:11

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا