تجربة ألمانيا و فرنسا  في التكامل والاندماج / محمد يحي الجراح 

في هذا المقال نستحضر تجربة ألمانيا و فرنسا  في
التكامل والاندماج

تمثل تجربة ألمانيا وفرنسا مثالًا حيًا على إمكانية تجاوز الماضي المؤلم لصالح بناء مستقبل مشترك.

هناك تجارب ناجحة في التاريخ الحديث للتكامل والاندماج بين شعوب كانوا أعداء على مدى قرون، لم تجمعهم إلا ساحات الحرب، ولعل أبرز هذه التجارب وأكثرها نجاحا هي التجربة الفرنسية الألمانية "إنشاء مكتب الشباب الفرنسي الألماني"، الذي تأسس بموجب معاهدة الإليزيه، التي وقعها عام 1963 الزعيم الفرنسي شارل ديجول والمستشار الأول لألمانيا الغربية كونراد اديناور

أدرك الزعيمان بعد 18 سنة من نهاية الحرب العالمية الثانية أن عليهم أن يتفقوا على هدف واحد وكذلك على آلية واحدة للتنفيذ، وكان إنشاء مكتب الشباب هو الحل، حتى لا يورث الآباء آلامهم ومآسيهم لأبنائهم، ولن يختفي الشعور بالريبة بين الشعبين بين الأجيال التي عاشت الحرب، واقتنع الطرفان بأن هذه السلسلة الممتدة من الشك في النوايا يجب أن لا تصل إلى الأجيال القادمة، ليدوم السلام.
تشرح صفحة مكتب الشباب الفرنسي - الألماني قائلة: "نسعى إلى دعم التبادل الشبابي من خلال مشاريع تشمل تبادل الطلاب في المرحلة الثانوية والجامعية ودورات اللغة، والتوأمة بين المدن في البلدين والتعاون الرياضي والتدريب في مجالات المهن والندوات والمنح البحثية.

عند إنشاء مكتب الشباب الفرنسي الألماني وضعت له

خمسة أهداف:

1. تعميق العلاقات الألمانية الفرنسية.

2 خلق الكفاءات المطلوبة لسوق العمل في أوروبا.

3. الاهتمام باللغتين الفرنسية والألمانية.

.4. تعزيز التعلم بين الثقافات.

5 تبادل خبرات الشباب الألماني الفرنسي والمصالحة مع الدول الأخرى.

مكتب الشباب لديه مجلس أمناء يتكون من 14 عضوا يرأسه من الجانب الفرنسي وزير التربية، ومن الجانب الألماني الوزير الاتحادي لشؤون الأسرة وكبار السن والمرأة والشباب ويتناوب الوزيران على رئاسة المجلس.

ميزانية مكتب الشباب الفرنسي الألماني تنشر على صفحته،

ويتحملها البلدان مناصفةً ، ومن خلالها يمول أكثر من 9000 برنامج تبادل طلابي سنوي في البلدين لعدة مراحل عمرية، وهذه الميزانية لا تتعدى 30 مليون يور سنويًا، ونجح المكتب في تمكين أكثر من 9 ملايين شاب فرنسي وألماني بالالتحاق ببرامجه التي تجاوزت 360 ألف برنامج تبادل بين الدولتين تشمل الرياضة والعلوم والموسيقى والاقتصاد بالإضافة إلى برامج إعداد قادة أوروبا الشباب وغيرها كثير كما توضح صفحتهم www.fgyo.org وحجم التجارة بين البلدين يعكس ذلك، فألمانيا وهي رابع أكبر اقتصاد في العالم تصدر سنويا ما قيمته 120 مليار دولار إلى فرنسا وهي الاقتصاد السابع عالميا، وتستورد منها بقيمة 75 مليار دولار.

هناك تجربة أخرى نجحت في خدمة الأهداف نفسها وتعتبر رمزا للصداقة بين الدولتين، وهي إنشاء قناة آرتي ARTE التلفزيونية و التي أُطلقت رسميًا عام 1990 كمشروع إعلامي مشترك يعكس روح التكامل الثقافي ويهدف إلى بناء جسور معرفية وفنية تتجاوز رواسب الماضي.

تُبث القناة باللغتين الفرنسية والألمانية، وهي غير ربحية، تموّل مناصفة بين الدولتين عبر رسوم شهرية يدفعها المواطنون في كلا البلدين. وفقًا لموقع القناة الرسمي، تبلغ ميزانيتها حوالي 140 مليون يورو سنويًا، تُخصص لإنتاج محتوى متنوع يشمل الأفلام الوثائقية، الفنون، الموسيقى، والثقافة العامة.

تنتج ARTE سنويًا نحو 430 فيلما بلغتي البث، وتُعتبر منصة رائدة في دعم الإبداع المشترك، وتقديم رؤى متعددة تُعزز الفهم المتبادل بين الشعبين الأوروبيين، بل وتتعداهما إلى جمهور أوسع في القارة.

إنجاز تاريخي لفرنسا وألمانيا وبالأخص إذا نظرنا إلى تاريخ
حروبهما وخطاب الكراهية المتبادل بينهما الذي استمر مئات السنين، والأهم من كل هذا أن قادة البلدين منذ ديجول واديناور نجحوا في قطع حبل الكراهية بين الشعبين، والدرس المستفاد بأنه عندما يجتمع الشباب بنظرائهم من دول اخرى تنشأ علاقة متوازنة مبنية على خدمة المصالح الوطنية لكلا البلدين، وعبر هذه اللقاءات سينجح البعض في تحويل النظير إلى زميل والزميل إلى صديق، وعندها تُبنى الثقة بين الطرفين وفي ذلك مصلحة للجميع .

محمد يحي الجراح 
برلين - ألمانيا

 

17. avril 2025 - 23:15

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا