نُواب زلَّت أقدامهم / عثمان جدو

لا شك أن عرفاء الشعب الذين يختارهم الناس لتمثيلهم في أهم هيأة لتدبير شؤون حياتهم وترتيب مصالحهم، فينوبون عنهم في ذلك ويقررون عليهم بفعل ذلك التفويض الذي يخولهم كامل الختم والتوقيع والإمضاء، لا شك أن هؤلاء يُناط بهم من المسؤوليات تجاه من انتدبهم أعظمها، وعلى كاهلهم من الحقوق في رعايتهم أثبتها، فهم حين يتكلمون يتكلمون عنهم، وحين يقررون فباسمهم يقررون، ومن السخافة العقلية أن يَظُنَّ أحدهم بعد حديثه الجارح الموجه إلى جهة ما أنه عبَّر عن ذاته فقط أو أخرج ما في مكنونه هو حصرا دون إشراك غيره ممن انتدبوه أصلا، وكانوا هم جسر الوصول الذي جلس بعد النزول منه مباشرة تحت قبة البرلمان..
إن العبارة التي تُحسِّن نقيضها حتما يُخشِّن، وطيب الكلام له صدىً إيجابيٌ في النفس، وله حلاوة في السمع، وله نشوة الترديد، وطلاوة التذكير، وخبيث الكلام له عكس النتائج، واللسان ترجمان القلب ومرآته العاكسة، ومحيَّا المرء أصدق ترجمان عن مغيبٍ في كنهه، وكل إناء بالذي فيه ينضح، وكل ذات بما فيها تفيض.
صحيح أنه في الأيام والأسابيع الماضية عجَّت الساحة السياسية و الإعلامية بتدوال كلمات ومواقف لا يُؤَم كثير منها ولا يقتدى بمصدرها غالبا؛ فكما ينظر ابتداء إلى أن دخول أحدهم البرلمان جاء بعد تصويت فلان وعلان، وبعد بذلهم الغالي والنفيس من أجل حصول ذلك التمثيل والوصول إلى ذلك الاعتماد؛ فإن كثيرا من المواطنين على فطرتهم الإنسانية وعفويتهم السليمة يَمُجُّونَ كل ما تعافه النفس البشرية السوية؛ من مناكر القول وفحش المقاصد لفظية كانت أو من خلال وسيلة موصلة أخرى، وبالتالي لا يرون ذواتهم في الإساءة والبذاءة إلى أي كان؛ أحرى أن يكون مصدرها من انتدبوه لتمثيلهم، ولأن طرائق الانتداب ومسالك الاعتماد الموصلة إلى التفويض مازالت تعتريها نواقص جمَّة فإن نتاج ذلك حتما سيكون دخول من لا يمثل شرف المواطن في وطنيته وانتمائه الذي لا يبغي به بدلا إلى حيث لم يكن ينبغي له أن يدخل ولا إلى حيث كان يجب أن لا يمثل فيه نفسه أحرى مجموعة بشرية قد يغلب عليها طابع البساطة والعفوية، هذا مع ضيق المدارك وعدم الإحاطة بمآلات الأمور؛ لكنها رغم ذلك لا تتقاطع في المقاصد مع من يريد ببلادها تمزيقا أو يوجه إلى قادة وطنها بذاءة أو إساءة حتى وإن عمها الصمت أو تظاهر راكب أمواجٍ أنه لرجع صوته المبحوح كرها تعكس الصدى أو هي له كموضع الراحة من الندى.
إننا وإسقاطا لما تقدم من طرح على واقع الأحداث التي تعكسها منصات الأخبار ووسائط التواصل الاجتماعي؛ ندرك جليا أن هناك تحامل لا تخطئه عين ناظر ولا أذن سامع؛ ومن ذلك ما صدر عن نائبة يفترض بها احترام تجربتها التي تمتد لثلاث إنابات برلمانية، والواقع أن من توقف مع ألفاظها سيدرك حجم ذلك التحامل الذي يشي بحقيقة المقصد، وطبيعة الرافد مما يسهل فهم روح الحمية التي تغذيها النداءات اللونية أكثر من الجوامع الوطنية؛ وإلا لما استعاضت عن مصطلح عام يستخدم إقليميا ودوليا وفي مجالات البحث والمعالجة بآخر من عندها؛ يذكي جذوة النعرات ويُبعد حقيقة القضية عن شحنتها المعنوية، وأنتم تدركون جميعا البون الشاسع بين مدلول (الطرد الجماعي) وبين ترحيل مهاجرين غير نظاميين، يضربون بعرض الحائط الالتزام بالقوانين الناظمة، المتاحة والميسرة؛ خدمة لمصالحهم، ومصالح البلد المضيف لهم!!!.
لا يختلف عن هذه النائبة الطاعنة في السن والتي كان عليها مراعاة ذلك بنداء أمومة تحنانًا إلى وطن يحتضن؛ لا يختلف عنها ضررا ما ذهب إليه نائب شاب يبدو أنه يمتطي صهوة جواد من وهم، سرجه نُسج من خيوط (خالف تعرف) لقذ دفع بهذا النائب حب اختصار الطريق الموصل إلى الشهرة مهما كانت الوسيلة إلى التعاطف حد النشوة مع قاتل مشارك بأبشع طريقة، وهي الجريمة التي هزلت المدينة الساحلية الهادئة قبل ذلك، فعكرت صفو الوداد، ومزقت وجه الإنسانية الوديع، وفي كثرة شهود هذه المحاكمة التي تبينت فيها حيثيات الواقعة، وانتشار تفاصيلها ما يغنينا عن إعادة بسط ذلك، وما هذه بأولى سقطات هذا النائب؛ فلقد عمد وهو خارج البلاد بين ظهراني من لا يعيره وزنا ولا قيمة ولا يمنحه اعتبارا، لاعتبارات وسياقات تاريخية منذ فجر الاستعمار إلى اليوم؛ عهد استنزاف الخيرات ولعب الوصاية بزرع الفتنة بين مكونات الشعب بطرق خفية وأخرى معلنة، في إحياء لنهج قديم حقيقته الجلية ( فرق تسد)، يشترك معه في هذه وتلك دعاة حقوق هم أقرب إلى عقوق الوطن من تتبع حقوق لا تفضي إلا إلى تخفيف العقوبة عن مجرم لا خلاف في جرمه أو إفلاته من إكمال العقاب، وما هذا بتعمير بلاد ولا بزرع حياة، إنما هو خراب في خراب وعمل ضد مجتمع وضد كيان وضد دولة.
يأتي بعد كلام وموقف هذا النائب الشاب وتلك النائبة الشائبة ما صدر عن نائبتين بين هذا وتلك سنا ودنهما علما وفهما وإن كانتا أكثر من الجميع حماقة؛ على الأقل بالأدلة الظاهرة التي تعكسها التصرفات الرديفة للأقوال البذيئة، وقديما قالوا الفعل أبلغ من الكلام؛ ترى ما ذا يبقى من الوضوح إن تعزز فاحش الأقوال بشنيع المواقف، لقد اجتمع في هاتين النائبتين التعدي اللفظي وعدم صيانة هيبة الدولة ورموزها وهدر المصان من التقدير لرجال الأمن لحظة تأديتهم للخدمة العمومية.
إن هذه التصرفات المشينة لم تعد مقبولة من عوام الناس أحرى من ينوب عنهم ويقرر عليهم، لكن الأسباب المنتجة لذلك دون عجب هي النعرات الضيقة والنداءات اللونية التي تعتبر معرَّة ومنقصة لكل مواطن بسيط ؛ والأدهى أن يكون مصدرها من يمتهن السياسة ويتصدر للريادة وتدبير الشأن العام؛ يُزاد ذلك بضَعف المؤهل العلمي عند بعض هؤلاء وانعدامه عند البعض الآخر، إذ لا يمكن أن نساوي في التعامل مع المسائل أياً تكن تلك المسائل بين متعلم جاهل، بين حاذق وأحمق، فمن تعلم فكرة واحدة أبطأت به عن جم المشاكل والمزالق، ومن انعدم عنده ذلك أسرع إلى كل تهلكة وانحدر مع كل هاوية؛ فالعلم نور يزين صاحبه، والجهل ظلام مهلك لمن يرومه.

25. avril 2025 - 12:55

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا