أزمة التسييس : ترحيل المهاجرين غير الشرعيين / محمد أفو

دعونا نتفق وبعدها نختلف كما نشاء.

لقد اتفقنا على حقنا في الاستقلال 

وحقنا في الأمن والاستقرار 

وحقنا في فرص العمل المحدودة 

وحقنا في الولوج للخدمات العمومية المحدودة القدرة والاستيعاب 

وحقنا في الوحدة والعيش والكريم 

وحقنا في استغلال موارنا وثرواتنا الوطنية .

تلك المنطلقات ليست مجرد وحدات لفظية وإنما سلسلة متكاملة تمنح المعنى لوجودنا كأمة و هي ضمان بقائنا ككيان ضمن كيانات الأمم .

ومن الطبيعي أن نختلف في طرق وآليات المحافظة على هذه الضمانات كلازمة شرطية لوجودنا ، لكننا لابد أن نتفق عليها كمقدسات لا مساومة عليها سواء في خطابنا الداخلي أو في سياساتنا الخارجية .

 

وقد يتعرض أحد تلك الضمانات للتهديد من وقت لآخر ، لكنها أيضا قد تتعرض للتهديد برمتها ، وفي لحظات كتلك علينا أن نمتلك القدرة على الاتحاد في مواجهة ما يهددنا جميعا دون استثناء .

 

ولا توجد اليوم مشكلة أكثر تعقيدا ولا تكلفة أو تهديدا للبنى الاقتصادية والاجتماعية من مشكلة المهاجرين غير الشرعيين .

فهي المشكلة المصنفة عالميا في الدرجة الثانية بعد الحروب من حيث الأضرار .

وليس بيننا من يجهل أن بلادنا غير قادرة على استيعاب أزمات كتلك التي تسببها أمواج المهاجرين حتى في أغنى بلدان العالم وأكثرها قدرة على امتصاص الأزمات .

فأوروبا بكل مواردها وطاقاتها التشغيلية تعاني اليوم نزيفا قاتلا بسبب المهاجرين غير الشرعيين .

والولايات المتحدة الحائزة على المرتبة الأولى كأقوى اقتصاد في العالم لم تعد قادرة على استيعاب الأزمات الناتجة عن الهجرة إليها .

لأن اكتظاظ هذه البلدان بأمواج من المهاجرين يفوق حاجتها يشكل تهديدا لا خلاف عليه لأمنها واقتصادها وحتى على وحدتها .

ما علينا اليوم أن نناقشه بهدوء وجدية واتفتاح ، هو نتائج بقائنا مكتوفي الأيدي حيال أمواج من المهاجرين من دول شقيقة يجمعنا بها الدم والثقافة والتاريخ .

والتوجه معا نحو حلول دائمة تضمن مصالحنا وتحمي وظائفنا وثرواتنا كحق حصري لأبناء بلدنا ، دون المساس بحق جيراننا وأشقائنا في الولوج للفرص المتاحة بطرق نظامية تمكننا وتمكنهم من تحقيق مصالح مشتركة .

 

وحين ننخرط في مواجهة مشاكل كبرى كهذه سيكون من العار أن نتحدث عن أثمان صغيرة ندفعها مقابل حماية مقدساتنا الوطنية .

مواطن لم يكن حاملا لبطاقته الوطنية واضطرت السلطات للتأكد من صحة دعواه ، هي مجرد ساعات تعترض حريته من أجل حماية فرصه في العمل وأمنه واستقراره وحريته وحمايته من الاستغلال.

علينا أن ننظر للأمور الفردية والحالات الاستثنائية النادرة كجزء من صورة كاملة مليئة بالعمل المضني والفعال من أجل استقرارنا وحماية مواردنا .

لماذا لا نشد على أيادي رجال أمننا في مواجهة التحديات الجسام التي يواجهونها من أجلنا ؟

من العار أن نكون خصوما لسيادتنا وأمننا وقواتنا المسلحة وقوات أمننا في وقت يحاربون فيه من أجلنا .

من أجل حماية فرص عمل لأبنائنا

من أجل حماية خدماتنا الصحية من الانهيار 

من أجل حماية معادننا من الاستنزاف 

من أجل حماية أمننا في المدن و الأرياف

لماذا نعتبر ساعة احتجاز فردية للتحقق (خمس حالات اشتباه ) كارثة وطنية ونتجاهل مئات الآلاف من فرص العمل المنتزعة من أبنائنا دون حق شرعي أونظامي ومئات الأسرة المحتجزة في المستشفيات من طاقتنا الاستيعابية المخصصة لأبناء البلد والمقيمين الشرعيين داخله .

 

أما من يظن أن ترحيل الاجانب إلى بلدانهم يعد عملا عدائيا حيال تلك البلدان فهو لا يفقه شيئا عن العلاقات الدولية .

ومن يظن أن هناك بلدا في العالم على استعداد لمنح مقدراته ثمنا لضيافة المهاجرين فهو لا يفقه شيئا عن مبادئ الإنسانية في عالم الأقطار .

كل أجبني غير شرعي يخرج من بلادنا اليوم يمنح ترحيله فرصة عمل لمواطن موريتاني وسريرا لمعالجة آخر وفرصة أفضل لأمنه واستقراره .

 

وإذا كان التعبير الوطني مطابقا للتعبير العنصري في نظر المسيسين فليلتفت هؤلاء إلى كل أقطار العالم وليأتونا بدولة تسمح للأجانب بالإقامة على أراضيها بطريقة غير شرعية .

أو يأتونا بدولة في العالم لا ترحل الأجانب غير الشرعيين.

 

تقوم دول الخليج بترحيل الأجانب غير الشرعيين القادمين من اليمن و مصر وسوريا والأردن وفلسطين والمغرب والجزائر وغيرها من البلدان العربية التي لا يحتمل أن تكون هناك مبررات للتمييز ضدها عرقيا ولا دينيا ولا ثقافيا ( قد يقبض رجل الأمن السعودي على ابن عمه من اليمن ويرحله ) .

وتضع اليابان قوانين صارمة فيما يتعلق بإقامة الصينيين والكوريين على أراضيها ولا تختلف عن القوانين المفروضة لذات الغرض على الأفارقة أو العرب أوغيرهم .

 

أما ما يخص الاشتباه الناتج عن الشبه بين المواطن والأجنبي فهو مسجل في كل بلدان العالم .

 ففي فرنسا - ووفق إحصاءات حقوقية - يتم اعتراض الفرنسيين من أصول عربية وإفريقية للتحقق من هوياتهم 7/9 أضعاف الفرنسيين البيض وهذا ناتج عن استثناء الأوروبيين من شروط اللجوء والإقامة والفيزا داخل فرنسا .

 

وفي الولايات المتحدة تسجل سنويا عشرات الاعتقالات لأمريكيين من أصول إفريقية ولاتينية و آسيوية لا يحملون وثائقهم الرسمية لحظة اعتراضهم من قبل سلطات الهجرة .

و بلدنا تربطه وشائج عرقية مع كل جيرانه وهذا يعني - ضرورة - أن لا وجه أو مبرر لأطروحة استهداف الأجانب بناء على ألوانهم .

فالمواطنة الموريتانية لا تتحق بناء على لون ولا عرق وإنما على حيازة الأوراق الثبوتية الوطنية .

والأجنبي لا يتم تصنيفه بناء على لونه أو عرقه وإنما على عدم حيازته للأوراق الثبوتية للجمهورية الاسلامية الموريتانية.

وتلك المعادلة هي الفيصل في تحديد من عليه أن يرحل إلى بلده أو يبقى في وطنه .

 

وعلينا أن لا ننسى أن السلطات الأمنية منحت كافة المهاجرين غير الشرعيين مهلة مفتوحة وأخرى محددة تم تمديدها بعد ذلك ، من أجل تصحيح وضعياتهم وتم إعفاؤهم من أي رسوم مترتبة على المخالفات السابقة من أجل مساعدتهم في ضبط وضعيتهم القانونية .

و هذا يدل على أن لا موقف مسبقا من الأجانب بل على العكس .

ثم دعونا ننظر في الجزء الآخر من الزجاجة حتى نقطع الطريق على راكبي الأمواج ، ونقارن عدد المرحلين بعدد المقيمين الباقين في بلادنا بطريقة شرعية .

سنجد أن كل بلد استقبل بعض أبنائه المرحلين يستقبل في ذات اللحظة أخبار أعداد هائلة من أبنائه المقيمين بطريقة شرعية ويعملون ويتعالجون ويستثمرون ويعلمون أولادهم في المدارس دون أبسط تمييز بينهم وبين المواطن الموريتاني .

فلماذا ركز راكبوا الأمواج على بعض الحقائق والأرقام وتركوا كل ما ينفي دعاواهم من أرقام وحقائق ماثلة للعيان .

في الختام يعتقد البعض بأن بلدنا سينجرف نحو أزمات البدون وحارقي هوياتهم في عرض البحر لتصبح عبارة " انا موريتاني " كافية لبقاء مهاجر غير شرعي في بلدنا كيف شاء ومتى شاء خشية أن نقع في التباس يقع مرة كل خمسة أعوام .

 

مالكم كيف تحكمون ؟

 

 

 

25. avril 2025 - 13:30

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا