في البحر حيث الأمواج الهائجة عندما لا يكون ربان السفينة ماهرا فإنها قد تضيع وتفقد البوصلة وقد تغرق في أحيان كثيرة ولكنها عندما تجد الربان المناسب تواصل الطريق ، طريق السلامة و هكذا الدول ، الدول كالسفن و العالم اليوم لا يقل خطورة عن بحر محيط تتلاطم أمواجه تضيع فيه و تتيه كل المراكب التي لا تسير بفتح التاء بإتقان، والتجارب من حولنا كثيرة ، كم سفن ضلت الطريق و غرقت واختفت في أعماق هذا المحيط ، وكم من سفن قيض لها الله ربانا مناسبا عبر بها إلى بر الأمان والتجارب كثيرة ، و تجربة النمور الأسيوية خير مثال، فلولا مهاتير محمد مثلا لما وصلت ماليزيا إلى ما وصلت إليه اليوم ، لقد كان العجوز ربانا متمرسا نقل ماليزيا من أمة فقيرة مهمشة إلى امة حققت قفزة صناعية واقتصادية مذهلة ، و نفس الشيء ينطبق على كوريا الجنوبية التي انتقلت من دولة أنهكتها الحروب الأهلية إلى دولة صناعية تملك احد أكبر اقتصاديات العالم والشيء نفسه ينطبق على إندونيسيا وسنغافورة و تايوان. وفي الجوار ليست التجربة التونسية عنا ببعيد ، فلم يكن بورقيبة زعيما عاديا ، لقد كان ربانا مميزا عبر بالسفينة التونسية أمواج القرن العشرين حتى وصلت تونس إلى ما وصلت إليه من تطور علمي و حضاري ، ومازال التونسيون كل التونسيين حتى اللذين عارضوا الرجل طيلة حكمه يشهدون له بالحنكة و بعد النظر.
اعتقد انه لا يمكن بأي حال من الأحوال استنساخ تجربة نمو من دولة إلى أخرى، فلكل دولة خصوصياتها الثقافية و الديمغرافية والأمنية وثرواتها الطبيعية. ولكن أثبتت كل هذه التجارب أن العنصر البشري هو حجر الزاوية لتحقيق التنمية الاقتصادية الحقيقية في بلد أي بلد ، فبدون تعليم بمعايير عالمية لا يمكن حدوث عملية تنموية قادرة على نقل البلد إلى الرخاء والازدهار ، ذلك ما أكدته نتائج مسابقة التايمزTIMSS عام 2016 وهي دراسة تُجرى على المستوى الدولي وتُعنى بدراسة معارف ومهارات وقدرات الطلاب في الرياضيات والعلوم في مجموعة من دول العالم،وقد صُممت لتقيس الفروق بين النظم التعليمية الوطنية وتفسير هذه الفروق. حيث تصدرت هذه المسابقة كل من سنغافورة وكوريا الجنوبية والصين وتايوان ثم اليابان بعدهم ، وقد بدأت الدول الأوروبية التي لم تحقق إنجازاً كبيراً في تلك الاختبارات في تدريس مادة الرياضيات من خلال اعتماد المناهج ووسائل التدريس السنغافورية، كما نظمت بعض المدارس في بريطانيا رحلات تبادل ثقافي وتعليمي مع دول آسيوية مثل الصين وكوريا الجنوبية.
إذن انه التعليم التعليم التعليم كما قال رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز، التعليم هو الوصفة السحرية لكل مشاكل التنمية ، لذلك استثمرت الدولة الموريتانية الكثير في هذا القطاع في هذه العشرية الأخيرة وعلى الرغم من أن منظومتنا التربوية مازالت تعاني من الكثير من النواقص والإختلالات الناجمة أساسا عن الإصلاحات السابقة المتعددة و الغير مدروسة أحيانا فإنني لا أبالغ إذا قلت إن المأمورية الثانية لرئيس الجمهورية كانت بحق مأمورية للتعليم العالي فقد شهد هذا القطاع نقلة نوعية ،تمثلت في إجراءات أشاد بها خبراء التربية والتعليم في العالم، فقد قيم بالعديد من الإجراءات من قبيل الهيكلة والحكامة والتنظيم والتسيير وقد تمت مُعالجة كل الإشكاليات المطروحة ضمن مسار الحلول المُستدامة، بعيدا عن المُعالجات الظرفية المؤقتة. وذلك ما ترجمته بجلاء نتائج مسابقة دخول مدارس المهندسين الفرنسية العريقة، حيث كانت موريتانيا الأولى عالميا.
إن هذه النتائج تعتبر بحق مدعاة للفخر والاعتزاز وشهادة تقدير لمنظومتنا التربوية التي كدنا نفقد فيها الأمل ووسام شرف لرئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز الذي دعم و اشرف على إنشاء المدرسة المتعددة التقنيات إيقونة انجازات العشرية الأخيرة و لقطاع التعليم العالي والبحث العلمي و لطاقم هذه المؤسسة ا لمتميزة بشكل خاص ،إن هذه النتائج أثبتت أن الموريتانيين الذين عبروا بسلام أمواج الربيع العربي التي جرفت بلدانا و أزالت كراسي و اجتازوا طوفان الإرهاب الذي ضرب المنطقة بكاملها و اجتاح دولا ، وصنعوا التناوب السلمي على السلطة في محيط من الديكتاتوريات ،هم أيضا قادرون على التفوق العلمي وتجاوز الأمم التي سبقتهم ،وهم قادرون على خلق نموذج اقتصادي وسياسي و اجتماعي متميز في شبه المنطقة و العالم إذا ما وجدوا الربان المناسب الذي يقود سفينتهم.