قراءة في حفل وخطاب إعلان ترشح ولد بوبكر / محمد الأمين ولد الفاضل

لقد استطاع المرشح سيدي محمد ولد بوبكر أن يؤكد من خلال حفل وخطاب إعلان ترشحه بأنه سيكون منافسا قويا لمرشح النظام، ذلك هو الاستنتاج السريع الذي يمكن أن يخرج به كل من تابع الحفل أو استمع إلى الخطاب.

في هذه القراءة سنحاول أن نتوقف مع الحفل ومع خطاب إعلان الترشح، وسيكون ذلك بالأساس من أجل قياس مستوى المنافسة لدى المرشح سيدي محمد ولد بوبكر، وكذلك للاطلاع على الفرص المتاحة لهذا المرشح، والتي ستجعل منه ـ إن تم استغلالها بشكل جيد ـ منافسا قويا لمرشح النظام .

الشعور المبكر بجدية منافس

ربما يكون النظام هو أول من استشعر بخطورة ترشح سيدي محمد ولد بوبكر، ولذا فقد وجدنا الكثير من كتبته ومدونيه يشنون هجوما شرسا على بعض أحزاب المعارضة لأنها قبلت بدعم المرشح سيدي محمد ولد بوبكر، وقد شارك عدد كبير من المعارضين ـ ربما عن حسن نية ـ في تلك الهجمة الشرسة التي شُنت ضد المرشح سيدي محمد ولد بوبكر وضد داعميه. لقد شكل ذلك الهجوم الشرس وغير المسبوق دليلا قويا على استشعار النظام ـ وبشكل مبكرـ  لقوة المنافسة التي يمكن أن يخلقها ترشح سيدي محمد بوبكر.

إن السؤال الذي كان يجب أن يطرحه المعارضون الذين شاركوا في الهجوم الشرس على المرشح ولد بوبكر هو ذلك السؤال الذي يقول : لماذا غضب بعض كتبة الموالاة ومدونيها من ترشح سيدي محمد ولد بوبكر؟ ألم يكن الأولى بهم أن يفرحوا  بالخطأ الجسيم الذي وقعت فيه بعض الأحزاب المعارضة بقبولها بدعم مرشح غير منافس وبلا شعبية مثلما هو الحال بالنسبة لولد بوبكر حسب دعواهم؟

ثم إذا كان المرشح سيدي محمد ولد بوبكر  مرشحا غير منافس، فلماذا تنتزع السلطات الأمنية لافتات إعلان ترشحه، وذلك في الوقت الذي تركت فيه لافتات المرشح غزواني مرفوعة في أكثر من مكان؟

إن الإجابة على هذا الأسئلة ستقودنا إلى نقاش فرضية "المرشح الفخ" أو "المرشح الطعم".

"المرشح الفخ" أو "المرشح الطعم"

يقول بعض المعارضين ممن يقدر مواهب ولد عبد العزيز في مكائد الحكم ـ  وأنا من الذين يقدرون كثيرا تلك المواهب ـ  بأن ترشيح ولد بوبكر قد جاء بإشارة أو بمباركة من ولد عبد العزيز، وبأنه قد جاء من أجل وضع طعم للمعارضة، وبأن كل ما نشاهده الآن من مضايقات ومن نزع لافتات هذا المرشح، بأن كل ذلك يأتي ضمن الأساليب الماكرة للسلطة، والتي تحاول من خلالها أن تظهر  ولد بوبكر كمرشح منافس، وذلك حتى تقنع به المعارضة  من أجل إيقاعها في فخ دعم مرشح يبارك النظام ترشيحه.

لا أخفيكم بأني ممن لم يستبعد في بادئ الأمر  فرضية "المرشح الطعم"، وذلك عندما سمعتُ لأول مرة عن إمكانية  ترشح ولد بوبكر، وربما أكون من أوائل من تحدث في النقاشات الخاصة مع بعض المعارضين عن هذه الفرضية، ولكن الشرط الذي وضعته آنذاك لكي اقتنع بصحة هذه الفرضية، هو أن يعمل ولد عبد العزيز على تنظيم انتخابات شفافة، فبتنظيمه لانتخابات شفافة فإن ولد عبد العزيز سيكتسب سمعة كبيرة، ولن ينجح في النهاية إلا أحد مرشحيْه غزواني (المرشح الرسمي)، أو ولد بوبكر (المرشح الفخ).

كان يمكننا أن نصدق فرضية "المرشح الفخ" لو أن السلطة سعت بشكل جاد إلى تنظيم انتخابات شفافة، ولكن رفض السلطة لإعادة تشكيل لجنة الانتخابات أسقط نهائيا تلك الفرضية، وحتى لو واصلنا تصديق هذه الفرضية رغم سقوطها منطقيا، ألن يكون الأولى بنا كمعارضين إذا ما كانت المنافسة بين مرشح علني ورسمي يمثل استمرار النهج، ومرشح خفي للنظام يحمل برنامج المعارضة، ألن يكون الأولى بنا كمعارضين أن ندعم هذا الأخير، أو على الأقل  أن نتوقف عن الهجوم عليه في هذه المرحلة؟

 هل تجاوز ولد بوبكر التحدي الأكبر؟

 لقد كان من الواضح جدا بأن قياس مستوى جدية منافسة المرشح سيدي محمد ولد بوبكر سيتوقف بشكل أكبر على مدى قدرته على اختراق مواقع التواصل الاجتماعي واستقطاب الشباب، أي على مدى قدرته على الاستفادة من نقطة القوة الوحيدة التي تتفوق فيها المعارضة على النظام. أما بالنسبة لاختراق دائرة الموظفين ورجال الأعمال والدولة العميقة فإن المهمة لن تكون بتلك الصعوبة بالنسبة لرجل دولة بحجم ولد بوبكر، وستكون هذه المهمة أسهل بعد أن تراجع ولد محمد لغظف عن الترشح.

كان التحدي الأكبر أمام المرشح ولد بوبكر هو اختراق مواقع التواصل الاجتماعي واستقطاب الشباب، ولقد عمل المرشح بجد على اختراق صفوف الشباب، فركز في لقاءاته على الشباب، وأعطى أهمية كبيرة للشباب في كل خرجاته وفي خطاب إعلان ترشحه، وكان محاطا على منصة إعلان الترشح بالشباب، وقد أصبحت لديه صفحات نشطة على الفيسبوك، وزاد عدد المدونين الداعمين له، وإن استمر المرشح سيدي محمد ولد بوبكر في التقرب من الشباب، وفي الانفتاح عليه، فإن ذلك سيرفع ـ وبلا شك ـ من مستوى جدية منافسته.

هل سيكون ولد بوبكر رجل المهام الصعبة؟

إن تمَكَنَّ ولد بوبكر من إقناع قطاع كبير من الموريتانيين بأنه قادر على تجاوز الأزمات، وبأنه رجل المهام الصعبة، فإن ذلك سيرفع من مستوى جدية منافسته، خاصة وأن موريتانيا تمر في هذه المرحلة بأزمة عميقة ومتعددة الأوجه. لقد تحدث ولد  بوبكر بذكاء في خطاب إعلان ترشحه  عندما قال: " لقد خدمت بلدي من مواقع عديدة مكنتني من اكتساب تجرِبة معتبرة ساهمتُ من خلالها بصدق وإخلاص في إدارة أزمات مصيرية، وإنجاز إصلاحات جوهرية". من الواضح بأن ولد بوبكر قد أراد أن يذكر الموريتانيين بأنه تولى الوزارة الأولى في فترة كانت فيها موريتانيا تعاني من أزمات اقتصادية وسياسية عميقة بسبب عزلتها خليجيا وغربيا في تلك الفترة، وأنه تولاها للمرة ثانية في الفترة الانتقالية الأولى (2005 إلى 2007)، وبأنه أدار تلك المرحلة بنجاح. إن من أهم نقاط القوة التي يمتلكها ولد بوبكر، والتي يمكن أن ينافس من خلالها هي تلك التجربة الطويلة التي يمتلكها، والتي تمكنه أكثر من غيره من أن يدير شؤون البلاد في مثل هذا الوقت العصيب، وهو ما أشار إليه في خطاب إعلان ترشحه.

المرشح المطمئن للجمهور غير المعارض

يرى البعض ـ ولرأيه وجاهة ـ بأن القطيعة مع الأحكام العسكرية تتطلب نوعا من التدرج يقضي بعدم ترشيح عسكري سابق، ولكنها تستوجب في الوقت ذاته ترشيح شخصية مدنية يمكن أن يتم تسويقها داخل المؤسسة العسكرية، أو على الأقل مطمئنة لها. إن المرشح سيدي محمد ولد بوبكر هو الشخصية المدنية الأكثر اطمئنانا للمؤسسة العسكرية من بين كل المرشحين، هذا إذا ما استثنينا مرشح النظام. ليس هذا فقط، بل هو أيضا ذلك المرشح الأكثر اطمئنانا للدولة العميقة، والتي يفترض التغيير المتدرج عدم تقديم أي مرشح غير مطمئن لها في هذه الفترة.  كما أنه هو المرشح الأكثر اطمئنانا لرجال الأعمال، من بعد مرشح النظام.

إن المرشح المدعوم من طرف بعض أطياف المعارضة، والقادر في الوقت نفسه على طمأنة المؤسسة العسكرية، وعلى استقطاب بعض رجال الأعمال، وعلى اختراق الدولة العميقة، سيكون بلا شك منافسا قويا لمرشح النظام. لقد أحسن ولد بوبكر عندما حاول في خطاب إعلان ترشحه أن يطمئن المؤسسة العسكرية بعبارات من قبيل :" إلى قواتنا المسلحة وقوات أمننا الأشاوس، حماةِ وطننا المرابطين على ثغورنا...." موريتانيا التي تستمر في بناء جيش جمهوري قوي ومهاب." لم تكن المؤسسة العسكرية هي الوحيدة التي أراد المرشح سيدي محمد ولد بوبكر أن يطمئنها، بل إنه استطاع  من خلال خطابه الذي لم يتجاوز ربع ساعة أن يدغدغ مشاعر كل الموريتانيين وبمختلف شرائحهم وأعمارهم ومستوياتهم، بل إنه انفرد عن غيره من المترشحين بتوجيه التحية بكل لغاتنا الوطنية  في خطاب إعلان ترشحه.

سيدي محمد الرئيس

لقد كان المرشح سيدي محمد ولد بوبكر في حفل إعلان الترشح واثقا من نفسه، ولقد تحدث في خطاب ترشحه بلغة الرؤساء، ومثل ذلك قد يكون مهما في بلد ما تزال نسبة هامة من ناخبيه لا تصوت إلا للمرشح الذي تعتقد في إمكانية فوزه. هذا الأسلوب الرئاسي ظهر أيضا في الرسالة التي انفرد بها المرشح سيدي محمد ولد بوبكر عن غيره من المترشحين، والتي ندد فيها بالمجزرة التي تعرض لها الفلان في قرية "واغاسوغو" المالية. لقد جاء في هذه الرسالة : "وبهذه المناسبة فإنني أناشد أخي فخامة الرئيس المالي بوبكر كيتا بأن يقوم بما يلزم من تحرك سريع لمحاسبة الضالعين في هذه المجازر".

إن هذه اللغة القوية، وهذا الأسلوب الرئاسي ليعبر عن ثقة كبيرة لدى المرشح سيدي محمد ولد بوبكر، ولا شك أن تلك الثقة ستتعزز أكثر بعد النجاح الكبير لمهرجان إعلان الترشح، ولا شك أن ذلك سيكون له تأثيره القوي في الرفع من مستوى جدية المنافسة لدى المرشح سيدي محمد ولد بوبكر.

فلتنتظروا إقبالا واسعا على حملة المرشح سيدي محمد ولد بوبكر إن هو ظل يولي اهتماما كبيرا بالشباب، ودون أن يجعله ذلك ينسى أن يبعث ـ من حين لآخر ـ  برسائل طمأنة إلى  المؤسسة العسكرية  ورجال الأعمال، وإلى الدولة العميقة وبكل مفاصلها.

حفظ الله موريتانيا..

محمد الأمين ولد الفاضل

[email protected]

1. أبريل 2019 - 9:36

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا