الحرب في مالي... المغامرة المدمرة / محمد الأمين ولد سيدي مولود

محمد الأمين ولد سيدي مولود"مع أن العديد من الحكام الجدد المعيَنِين، وبقية الطغاة القدامى الذين ساعدناهمعلى تسلم مقاليد الحكم خلال العقود الماضية، يمدحون الغرب أو يشكرونه على القروض المالية، أو على الدعم السياسي أو على غزو البلاد، فإن هناك ملايين المسلمين الذين يريدون أكثر من ذلك: يريدون التحرر منا". روبرت فيسك، الحرب الكبرى من أجل الحضارة

................................
بالرغم من عدم سماح مجلس الأمن لاستخدام القوة في شمال مالي حاليا فإن عدة مؤشرات توحي بتحمس أطراف في المنطقة لخوض حرب ضد الجماعات المسلحة في أزواد وخاصة القاعدة وأنصار الدين. ويبدو النظام الموريتاني من أكثر هذه الأطراف حماسا لهذه الحرب.
وتدفع النظام الموريتاني إلى الحماس لمغامرة كهذه عدة أمور أهمها الأزمة السياسية والاقتصادية الداخلية، حيث تعسى عادة الأنظمة الضعيفة وخاصة ذات الخلفية العسكرية إلى فتح جبهات خارجية لتضمن أكبر إجماع داخلي، أو لتشغل الرأي العام على الأقل بأحداث خارجية عن الواقع الداخلي السيء. كما أن عقدة النظام الموريتاني وشعوره بالذنب، جراء استحواذ القاعدة على كبريات مدن أزواد في وقت كان يقدم هذا النظام معلومات لحلفائه عن هزائم القاعدة لا تمت بصلة إلى الواقع، تجعله يسارع إلى اللعب مرة أخرى من أجل التعويض. هذا بالإضافة إلى البحث عن مكافآت خارجية أدمن النظام على استدرارها حتى ولو كلف الأمر مغامرة من هذا الحجم تستدعي التضحية بأرواح جنود عديدين، بل وتعرض جزء كبيرا من الوطن ـ إن لم يكن كله ـ لخطر جدي ووشيك.
لقد ارتكب نظام الجنرال عزيز أخطاء جسيمة في الحرب ضد القاعدة شملت الجوانب الميدانية والقتالية بالاضافة إلى الأخطاء السياسية وحتى التشريعيةـ القانونية، ويبدو أن هذه الأخطاء في تعاظم وأن الجنرال لا يشعر بها إن لم نقل لا يهتم بها.
لقد كانت أكبر وأخطر عملية للقاعدة ضد الجيش الموريتاني مذبحة تورين الشهيرة، ولا نحتاج هنا نذكر القارئ أنها حدثت في ظل نظام عزيز الذي يروج أنه يضبط الأمن أحسن من سابقيه بل ويضع ملف الأمن درعا ضد كل انتقاد يوجه إليه، ليس ذلك فقط بل كانت أول مرة تهاجم العاصمة من طرف جماعات العنف، وأول مرة تفجر سيارات مفخخة داخل ثكنات عسكرية في حكم عزيز. لقد كان كبار قادة المؤسسة العسكرية ـ أيام تورينـ وخاصة الجنرالات منشغلين بالصراعات السياسية الوهمية مع رئيس مدني طاعن في السن ومسجون، في وقت يتعرض فيه الجنود البسطاء للذبح في تورين في شهر رمضان المحرم! كان الجنرالات يتبجحون بهزيمة الرئيس المنتخب بأسلوب غير حضاري وغير مهذب ولا يتماشى مع الأخلاق العسكرية، وذلكفي الأحياء الشعبية أمام الجماهير وفي مهرجاناتهم الكرنفالية الاستعراضية المكلفة ماليا.
الجنرال عزيز قام بحرب خارج البلد دون الرجوع إلى البرلمان وقد يعيد الكرة رغم أن كتيبته البرلمانية جاهزة للحرب عن بعد، وأسوأ من ذلك أن أخطر عمليات الجيش الموريتاني في هذه الحرب كانت لإنقاذ رهينة فرنسي عكس المعلن (يمكن الرجوع إلى ما كتبه الخبيران الاسبانيان ماريا دو روزاريو دو مورانس فاز مدير برامج بمعهد الدراسات الاستيراتيجية والدولية بلشبونة، وألفارو فاسكونسلوس مدير معهد دراسات الأمن التابع للإتحاد الأوروبي،حيث أكدا أن الهدف من العملية كان تحرير الرهينة الفرنسي ولم يتحقق). أما الأخطاء الميدانية فليس أقلها سوء إرسال فرقة غير مسلحة بما يكفي وتحت قيادة ضابط غير معني بالقتال كما راج في الأوساط العسكرية عن تورين (النقيب الشهيد اجه ولد عابدين) وهو السيناريو الذي تكرر مع قائد الوحدة التي تم الهجوم عليها عند حاسي سيدي (النقيب الشهيد محمد ولد محم).
وما الحرب إلا ما عرفتم وذقتمُ..
إن حصاد "تورين" و"حاسي سيدي" غير مشجع على خوض حروب إضافية ضد عدو هلامي غير محدد الملامح ولا المكان، إنها "السير نحو الجحيم" كما وصفها مايكل شوير ضابط السي آي أي CIA وقائد وحدة ملاحقة أسامة بن لادنسابقا عندما تكلم عن حروب بلاده ضد القاعدة في كتاب بهذا العنوان.

لقد فقد جيشنا 12 شهيدا في تورين، و10 شهداء عند حاسي سيدي (7 منهم، قضوا في الكمين، وينتمون إلى وحدة بولنوار التي كلفت بعمليةالاستطلاع، و ال3 الآخرون من كتيبة الحرس الرئاسي) وسقط ثمانية جرحى (4 من وحدة بولنوار، و4 من كتيبة الحرس الرئاسي) حسب مصادر الجيش لا مصادر العدو. فيما تحدث البيان الذي أصدرته وزارة الدفاع عقب العملية عن مقتل 12 مسلحا من القاعدة،وجرح آخرين لم يتسن التأكد من عددهم من مصدر مستقل. وللقاعدة كلام آخر بعيد جدا عن ما جاء في هذا البيان. أما غابة واغادو فقد تضاربت المعلومات حول عدد ضحاياها غير أنه من المؤكد سقوط قتلى فيها من الطرفين. هذا بالإضافة إلى فشل استخباراتي جلي راح ضحيته أبرياء آمنوا بالوطن وصدقوا أن وراءهم مؤسسات ستحميهم، أو على الأقل ستحترمهم بعد موتهم فوقعوا في قبضة عدو لا يرحم، وأهملتهم مؤسسات مهملة.

فهل من مستشار أو والي نصوح ينصح الجنرال كما نصح نصر بن سيار (آخر ولاة الأمويين في خراسان) الأمويين من انفجار الوضع هناك بأبياته التي قال فيها:
فإن النار بالعودين تُذكى / وإن الحرب مبدؤها الكلام
وإن لم يطفها عقلاء قوم / يكون وقودها جثث وهامُ

إن الكلام هنا عن خسائر الحرب وبشاعتها لا يعني التخلي عن الدفاع عن الوطن إذ لهذا وحده يتم تجنيد الرجال لا للإنقلابات وإبرام الصفقات، لكن الكلام عن حروب غير منطقية وغير مبررة وبأساليب أقرب إلى المغامرات، ولحساب قوى خارجية وتحديدا فرنسا. إن الجندي الموريتاني لم يكن يوما جبانا ولن يكون لكن الزج به في معارك الآخرين تهلكة لا أقل.

إن موريتانيا بحاجة إلى جيشها لحماية حوزتها الترابية قبل المغامرات المدمرة خارجيا، ولن يتم ذلك إلا بالأخذ بأسباب قوة الجيش نفسه وأولها صرف ميزانياته لصالحه تسليحا ورواتب وامتيازات وبكل شفافية (يتساءل الكثيرون عن مصير 50 مليون دولار منحتها السعودية للجيش ولم تنعكس على مستواه في هذه الجوانب)، وخاصة لصالح الجنود وضباط الصف وصغار الضباط، أي أهل الميدان لا أهل القصور.

وختاما لا يمكن لنا إلا أن نرفض أن نكون باكستان المنطقة ـ رغم فارق القوة ـ إذا كانت الجارة الشقيقة مالي كتب عليها أن تكون افغانستانها ولو بتورط من نظامنا مع الأسف. لقد دفعت الباكستان الثمن غاليا جراء تحالفها مع قوى خارجية لصالح حرب بالوكالة غير محددة الملامح ولا النهايات ولا الأهداف.
كما لا يمكن إلا أن نسعى ـ كل من موقعه ـ لتجنب مغامرة مدمرة باتت وشيكة، قبل أن نلاقي مصيرا يشبه مصير جمهورية مالي، إذ تتشابه الظروف وطبيعة الأنظمة، والتركيبة الاجتماعية لكلا البلدين، وحتى طبيعة الجغرافيا. وقبل أن ننشد مع بن أبي سلمى:
لعمري لنعم الحي جر عليهمُ / بما لا يواتيهم حصين بن ضمضم.

8. يوليو 2012 - 14:15

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا