وتستمر في وطن التناقضات الكبرى غفلة الضياع السياسي المرير على الإيقاع السريع لفرضيات الحداثة النظرية بمسلكيات "السيباتية".
في هذه الأجواء، المشبعة بأهازيج الماضي على مختلف المقامات واستعدادا لخوض استحقاقات رئاسية على الأعتاب، تُكشر بالطبع السياسة" عن أنيابها الصفراء في بلد افتراس الجيف بفتاوى الفقه الغرضي ونصوص الشعر التمجيدي وبالانصياع التبعي للغرائز البدائية.
وليس غريبا ألا يبدو الأمر غير طبيعي مطلقا بهذا الوجه لدى عموم الشعب بسبب انحدار غالبية جمهوره من نفس مشكاة الممسكين زمام الحراك السياسي بمخالب الماضوية والنرجسية والانتمائية والاستعلائية في الصميم.
ففيما يجري بعض الحديث المسرب على نوافذ وسائل التواصل الاجتماعي وبعض واجهات ومنصات المواقع الالكترونية وبقصد خلط الأوراق من جهات غير راضية عن المنحى الذي أخذته مجريات الأمو، في ظل حالة الارتباك الحاصل داخل صفوف المعارضة والموالاة وكذلك الجنوح العشوائي تارة، والغرضي الموجه عن عمد إلى الضرب تحت المحازم تارة أخرى؛ يجري إذن الحديث والتراشق في صفوق بعض المعارضة و الموالاة للتشويش على المرشحين محمد ولد الغزواني و سيدي محمد ولد ببكر حول زعم بتماهي الأخير ـ الذي أصبح، بعدما عجزت المعارضة عن الإجماع على مرشح واحد، رقما في المعادلة الانتخابية ـ مع حزب "الاتحاد من أجل الجمهورية" الحاكم على خلفية خلافات "مصطنعة" ليس حزب الإسلاميين "تواصل" الداعم له ببعيد عنها.
وعلى حد غمز ولمز ذات مصادر "الزعم"، فإن أحزابا أخرى، على رأسها حزب "التكتل" و"اناد" وبعض التيارات القومية العربية وغيرها، تدعم ترشح زعيم اتحاد قوى الديمقراطية ولد مولود الذي ترى فيه الرجل المناسب للمرحلة المقبلة على خلفية ورقة خطابية، جعلتها تتداول، تمنحه فيها صفة "الذي" لم يتعامل يوما بمقتضى أي من مضامين مسارات الأحكام المتعاقبة السياسية والتسييرية، ولا مع مجمل الحكومات التي عمل في ظل أحكامها.
وليس ترشح زعيم حركة إيرا "ولد اعبيدي" ورئيس حزب التحالف من أجل العدالة والديمقراطية أو ما يشاع عن إمكانية ترشح "صار إبراهيما" بأقل اعتمادا على الانقسامات العرقية والتحالفات الأيديولوجية وأخرى موصومة بالشرائحية التي تزايدت وتيرة مطالبها، والإثنية التي لم تطلق كلها مع أطروحات حركة "أفلام" الزنجية في أقصى توجهاتها، مما يزيد الساحة السياسة سخونة ويفاقم من حدة حالة عدم الرضى العام لضعف أدائها الذي يغفل البرامج الإصلاحية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية من خلال والتي الدعوة إلى قيام حكامة رشيدة تعمل بمقتضيات الديمقراطية على أسس دولة القانون وتمنع هدر مقدرات البلد الكثيرة و انتشار الفساد الذي جعل البلاد تجثو على ركبتيها و شعبها يعاني من الفقر و التهميش.
والعجيب أن كل هذه القراءات تحاول، في مغالطة مكشوفة لا تنطلي على الشارع الموريتاني، ألا تقحم الأدوار القبلية والجهوية والطبقية في هذه الصراعات التي بدأت مع ذلك تحدد عبر المبادرات و الولاءات و التحالفات معالم وطعم ومذاق قابل الأيام في الصراع على رئاسيات ما بعد العهد "العزيزي" الذي ظل، إلى آخر لحظة، عصيا على الطلاق من مأمورية ثالثة؛ مع أن الممسكين بهذه الأدوار القبلية والجهوية والطبقية المستمد بعضها من الأيديولوجيات الخائبة، هم من سيكون بأيديهم حتما قيام الحسم المطلق والكلمة النهائية عندما تتحدد المصالح الضيقة و"الفوق" وطنية وينقشع الغبار عن تركيبة التحالفات الجديدة الفائزة على الرغم من غرابة تناقضاتها التي لن تختلف عما درج عليه أهل البلد منذ الاستقلال وذاك منطق، على هذا النحو من الاختلال الثابت، لا يعرف سر صناعته إلا أهل بلاد التضاريس النفسية الوعرة.