والبلاد تستعد لخوض استحقاقات رئاسية استثنائية في كل تاريخ الدولة، لعب السياسيون والمثقفون وجميع المدركين من شرائح الشعب دورا واعيا في فرض قيامها بما ينسجم من مقتضيات الدستور الوطني واحترام مضمونه، إنه لا بد حتما أن يحاط كل المرشحين علما بأهم المطالب وأكثرها إلحاحا لانتشال البلد من ضياع سوء التسيير وآثار النهب للمقدرات الهائلة والفساد الممنهج الذي حصل بشكل مريع على أيدي قلة معلومة، بالاسم والوسم والصفة والممتلكات بأصولها وفروعها مكشوفها ومستورها؛ قلة من علية المسؤولين القبليين والأرستقراطيين المدنيين والعسكريين، ومن المقربين لدوائر القوة والنفوذ، ومن حوزات النفاق و التزلف بعقلية و ثقافة "السيبة" بآدابهما الغرضية وفقها الذي يلوي أعناق النصوص الشرعية و يؤولها لنصرة القوة و الحيف، ومن الاعلام المخنث والاستخباري؛ ممتلكات طائلة لم تجن من ريع مصانع تدور وتحول ثروات البلد المتنوعة، ولا من مصارف مشيدة بالعرق والخبرة، أو محاصيل زراعية بالمكننة، و لا من إنتاج محلي لصيد بحري مهني بواسطة الأساطيل الوطنية التي تشغل المواطنين وتدفع الضرائب و تصون المقدر في الأعماق، ولا من تحويل صناعي لكثير المعادن النفيسة سعيا إلى سد بعض حاجيات البلد منها.
متى يحق الترشيد؟
وتستمر جوقة تبذير الأموال الطائلة في أسفار الوزراء والمسؤولين السامين وغيرهم لوجهات لا عائد من ورائها للبلد؛ تبذير على نحو تتقاصر وتعف عنه أقوى الدول اقتصاديا وأكثرها تحقيقا للمصالح الكبرى وجنيا للفوائد من خلال الحراك.
إنه غياب التخطيط وسوء تحديد الاولويات على خلفية تعمد الصرف النفعي وتبديد للمال العام الذي ما كان ليصرف إلا على المشاريع التنموية والبنى التحتية التي تفتقر إليها البلاد بشكل صارخ.
في بعض دول آسيا وأوروبا يسافر الرؤساء والوزراء وغيرهم من المسؤولين السامين، الذين لا يفعلون إلا نادرا ولأهداف محددة ومدروسة، عبر القطار (كيم جونغ هون إلى فيتنام) وبالسيارات ترشيدا للمال العام وشفافية في التسيير.
ولأن الإعلام الملتزم يلعب أدوارا محورية في التحولات الهائلة التي تحصل في العقليات البدائية والظلامية والمتحجرة، فإنه لا شك نجح في مصاحبة عديد الثورات على الأحكام الفاسدة التي تمارس الظلم ولا تحارب التخلف حتى وصلت إلى القضاء عليها. وأما هو فإنه نال عن جدارة وباستحقاق مكانته كسلطة رابعة تشكل إبرة الميزان بين السلطات الأخرى.
إلا أن الإعلام في بلاد التناقضات الكبرى ومربط فرس عقلية "السيبة" العصية على التغيير فيبدو عاجزا عن إنجاب رواد يجعلون الالتزام بأوجه الصدق والشجاعة والموضوعية فرس الرهان لانتشال بلد تذيقه العصابية صنوف النهب والفساد، وتمرغه في وحل الخنوع ثقافة التملق الاجتماعي والنفاق الديني وموات الضمائر وغياب الوازع الوطني.
إنها لعنة غياب الإعلام المنشطر بين حكم الأقوياء وحكم الأيدولوجيات ونفوذ إباحية الطمع التمجيدي بمزيج من لغة الخشب وغنائيات الماضوية الاقطاعية. فهل يؤدي بهذا يستطيع أن يلعب دورا لا غنى عنه مطلقا؟
هل يأتي يوم على المفسدين؟
في الجزائر فرض الشعب من خلال رفضه السلمي بوعي وحزم وثبات المأمورية القسرية من ناحية، حقق بالمطالبة مراجعة قانون البلاد لتفعيل المساءلة وسريان فعل معاقبة المتورطين في أعمال النهب والفساد، حتى تم وضع قائمة بأسماء ممنوعين من السفر على ذمة التحقيق في مصادر ثرواتهم الكبيرة التي كدسوها من خزائن الدولة عن طريق الاحتيال وسوء التسيير والنهب على حساب الوطن والمواطن بلا وازع وطني أو ديني أو أخلاقي. فهل نلحق بركب الدول التي حاربت الفساد وقد كان ينخرها ويمنع استواءها وتبنيها نهج الحكامة الرشيدة؟ وهل نعلن عن لائحة المفسدين الذين يبذرون خيرات ومقدرات البلد المتأخر عن الركب؟ أم هل نظل الشعب الوحيد الذي يعتبر الأموال الحاصلة عن طريق النهب وسوء التسيير علامة للفروسية ومستحق النبل الارستقراطي؟