بأفعالك قد تأثرنا، أيقظت فينا أمورا حسبناها ماتت إلى الأبد، أيقظت فينا الاهتمام بالفقراء، و الرأفة بالضعفاء، و التفكير بوطنية، و خدمة الوطن، و الاهتمام بالوحدة الوطنية، و النظر إلى أنفسنا إلى كوننا شبابا، جعلتنا نقترب لأول مرة من الرئيس، جعلتنا نعرف قيمة المنصب و أهميته، و أهمية من يتولاه.
وجدتنا لا نفكر سوى في اللافتات و الفتات الذي يعطى لنا، و جدتنا لا نعرف الحديث في السياسة، بل نخافها، و نخاف من أصحابها.
و جدتنا لا نفهم شيئا و لا نفقه شيئا، نساق كالقطيع بأمر من سيد القبيلة أو زعيم القرية أو صاحب المسبحة و "إيليويش"، فكسرت صنميتهم جميعا و دمرت مكانتهم في نفوسنا، و أخفيتهم من قاموس الخوف المعشش فوق رؤوسنا.
حدثتنا عن الحق و الصدق، و عن الأمانة و محاربة الفساد و محاربة الفقر و مناهضة العبودية، و المطالبة بحقوقنا.
لم نكن نعرف معنى مظاهرات سلمية، كنا نخشى الخروج يوم المظاهرات، فأصبحت بسببك أنت أمرا عاديا.
لم نكن نعرف الحديث علنا، فعلمتنا معنى حرية التعبير.
أنت السبب سيدي الرئيس في ممارستنا لكل هذه الأنشطة، لتفكيرنا في كل هذه المفاهيم و استيعابنا لها و استغلالنا لكل تلك الأحداث.
أجل أعترف لك بذلك، سيدي الرئيس في آخر مأموريتك.
لكن في ذات الوقت كنت أيضا أنت السبب في نهب أموالنا، أنت السبب في التلاعب بمصالحنا، أنت السبب في كل ما نعيشه اليوم.
نعم لقد خاطبتنا ذات مساء من فوق منصة حملتك الوهمية تلك، و أخبرتنا أنك تريد الإصلاح، و أنك ستضرب بيد من حديد على المفسدين، فهمناك خطأ أو ربما فهمتنا بالشكل الصحيح.
فلا أنت حاربت المفسدين بل صنعتهم، و لا أنت استحدثت القوانين لتحمينا بل لتحمي مصالحك و مصالح مقربيك.
فلا أنت أصلحت التعليم، بل جففت منابعه و دمرت مواردنا البشرية، و أنهكت منظومتنا التعليمية و استحدثت نظما جديدة، فتحت مدارس للنفاق تخرج على يدها الكثيرون، حولت فنانينا إلى منافقين، بدل أن يقوموا برسالتهم النبيلة تلك التي بدأوها من تحت الشجرة ذات يوم، فعلمتهم أنت اليوم كيف يجهزون عليها بسيف النفاق.
حتى أصبح من لم يتخرج من مؤسساتك تلك التي تعلم النفاق بكل أشكاله، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتخلص من الفقر و يحسب نفسه من الأثرياء.
قلت في ذلك المساء أنك ستحارب الفقر، فحاربته بالفعل، لكن حربك عليه اشترطت أن يكون الراغبون في الاستفادة من حربك تلك منافقون معلومو النفاق، طبالين، ملمعين لأشخاص لا قيمة لهم و لا هدف سوى جمع المال و التطبيل لسيادتك.
فأصبح أكبر مطبل في البلد مليونيرا خلال تسع سنين، جمع المال منك و من غيرك، و أصبح هو معيار تقييم أداء الموظفين السامين، أصبح هو من يحدد من يستحقون التعيين من طرفك في مجلس وزرائك ذاك.
و أصبح أيضا في ذات الوقت هو الوسيلة الناجعة لمعرفة من تجب معاقبتهم، يكفيه أن يهاجم موظف ساميا حتى يعلم كل أهل الأرض أن ذلك آخر أسبوع له في الوظيفة، حتى يعلم أنه عليه أن يستعد للانتقال من فئة العاملين إلى فئة العاطلين.
لقد أكدت مرارا و تكرارا أنك ستحمي الوطن، ففعلت بكل الوسائل و كان أفضلها و آخرها أنك تسعى من خلال توظيف جيشنا الجمهوري لتحصيل المال، لك و لبطانك و أولها خليلك المحفتر.
نعم سيدي الرئيس، أنت السبب، في مقتل أبناء جيشنا الأبي الصامد، نعم أنت السبب في تجريد أكفاءه من مناصبهم بسبب كتاباتهم عن التاريخ و الواقع، حتى حرية التفكير منعتهم إياها.
أنت السبب أيضا في أن مؤسساتنا الأمنية تكتب قصار القامة و شروط اكتتابها تحدد المترين أو يزيد كشرط لولوج الخدمة.
أنت السبب سيدي الرئيس في أن مؤسساتنا تم اغلاقها و تسريح عمالها و تجويع و تفقير أسرهم.
أنت السبب في نهب تازيازت لمعادننا النفيسة و أنت أيضا السبب في تسريحها لمئات الموظفين بعدما أن كانت قاب قوسين أو أدنى من اكتتاب مئات الموظفين.
أنت السبب في حرمان عمال اسنيم من حقوقهم، أنت السبب في حرمان عمال شركة "أم سي أم" من حقوقهم.
أنت السبب سيدي الرئيس في ثراء ف . ل، و أنت السبب في ثراء ز.ع، و أنت السبب أيضا في امتلاك ت.أ لحصص معتبرة من مصارف البلد، أنت السبب في امتلاكها أيضا لعقارات كثيرة تعود ملكيتها للدولة.
بدل بنيان المدارس كنت أنت السبب في بيعها و تحويلها إلى أسواق لأهل .... و أهل ... و أهل ....
أنت السبب في افلاس سونمكس و إينير و وكالة النفاذ الشامل، و تعثر الشركة الوطنية للكهرباء و الشركة الوطنية للماء، و شركة الطيران و توريطها في صفقة متهورة عبر شراء طائرة لم يمضي على تجربتها أكثر من 4 سنوات.
أنت السبب في احتكار المواد الغذائية و زيادة الضرائب و أنت السبب كذلك في رفع مديونية البلد و استنزاف مدخراته من العملة الصعبة.
أنت السبب سيدي الرئيس في حرمان البلد من الولوج إلى ديمقراطية حقيقية.
أنت السبب في تكريس حكم "العسكر" و قد قلت مرة أنك لا تحب هذه الكلمة "العسكر" نعم من خلال ترشيح عرابك هذا الذي يستخدم أموال الدولة و سياراتها و طائراتها و موظفيها من أجل إرهاب الناس.
أنت السبب في سجن أصحاب الرأي و أنت السبب أيضا في تعطيل سيارتي بسبب الطرقات المتقعرة، أنت السبب في طردي من العمل ذات يوم بسبب تهورك السياسي و تلاعبك بالمعارضة، أنت السبب في سهري ليال عديدات أفكر في شيء واحد سيء مما يعيشه المواطن بمرارة لست أنت السبب فيه.
أنت السبب في بؤسنا و تحقيرنا و تفقيرنا و ازدراءنا و التلاعب بمصالحنا و القضاء على احلامنا و إيهامنا أنك مصلح، فلا الشباب صلحوا و لا قروض صندوق الإيداع و التنمية وصلت إلى مستحقيها، بل و فقط إلى جيوب أبناء الأثرياء ممن يوالونك و يقفون إلى صفك و يدعمونك في ما أنت السبب فيه من تعاسة الشباب و عنوسة البنات، حتى تلك سيدي الرئيس انت السبب فيها، و طلاق المتزوجات و اجهاض الحوامل.
لم أجد شيئا لست سببا فيه سوى شيء واحد هو للمفارقة عدم رغبتك في الترشح، فتلك وحدها وجدت أن سببها لست أنت.
و بما أنك السبب في هذا كله، فأنت أيضا المتسبب في رحيلي عن الحزب الحاكم غير أسف على ذلك، لأنه بفضلك اخترت طريق المعارضة، و حتى و للفارقة العجيبة أنت أيضا السبب في تعاطفي مع الاخوان المسلمون "حفظهم الله تعالى و نصرهم و أيد صاحبهم ذلك الذي يوالونه و يؤيدونه ضد عرابك" أتعرف لما أنت السبب في هذا، لأنك ضايقتهم و ليس من حقك، لأنك أغلقت مؤسساتهم العاملة في الخير و هو عار و جبن منك، لأنك تستمع لمحمد بن سلمان و لا تستمع لحمد بن آل خليفة.
سيدي الرئيس الأمر الوحيد الذي كنت أنا سببا فيه هو أني جعلتك تصدق أن حيلتك انطوت علي، و أنه ليس لي مخرج مما أقحمتني فيه من تلاعب، حسبت السيد الرئيس أنك مرقتني في الوحل، و أنا (الشاب المستقل) من جعلك تذهب إلى كل ما ذهبت إليه، و سأكون أيضا سباب إن شاء الله في أن أجعلك تندم عليه، من خلال هزيمت عرابك و من خلال القضاء على أحلامك و أحلامه.
هل تعلم السيد الرئيس أني كنت دائما أعرف ما تصبوا إليه، و أفهم ما تريده مني و ما تخشى أن تجعله أمانة في يدي، نعم لقد كنت أعلم، و أنصفك فلو وضعت شيئا تحت تصرفي لن تستطيع أن تمسه لا أنت و لا حاشيتك و بطانتك السيئة جدا جدا، إلا إذا أخليت أنا منه مسؤوليتي.
هذا بالضبط ما يفكر فيه كل شاب كان يسير خلفك و لا تعرف أن المكر ليس حكرا عليك.
امض أيامك المتبقيات و أرحل غير مأسوف عليك، رغم شكري العميق لك على كل ما كنت السبب فيه، لأنه أفاقني و علمني كيف أكون صلبا أمام أمثالك.
تصبحون على وطن لا يحكمه مضمحل فكر و لا جندي متعجرف.