لا نجد في تاريخ الإسلام بل لا نجد في تاريخ الخلفاء والساسة قبل عصر الانوار من قارب الخليفة الفاروق في اهتمامه بمحاربة اثر الرق والتوسع في استقصاء وتتبع حالات كثيرة ومتنوعة استهدفت القضاء على الكثير من مظاهره.لذا لا غرو أن يكون هذا الخليفة هو صاحب المقولة الخالدة :كيف تستعبدون الناس وقد ولدتهم امهاتهم احرارا، ون يكون له هذا الجهد الخاص الذي ستتطرق اليه هذه الورقة في محاربة ظاهرة الاسترقاق بعزم وحزم منقطي النظير.
وعلينا ان نقدم بين يدي هذا المشروع الذي هو مشروع تحرير بامتياز أننا لن نكون معه أمام حالات منفردة بل أمام مشروع ضخم يجهد في التوسع والتعمق لتتبع الظاهرة، واستخدام مجموعة من التدابير والإجراءات المختلفة في محاربتها، ولتي يبقى من أبرزها:ـ قيامه برد مجموع من سبي من العرب وقد توسع في ذلك حتى رد السبي في زمن أبي بكر وفي زمن الرسول صلى الله عليه وسلم وقد تابع الأمر حتى رد السبي في زمن الجاهلية، وقد استخدم آلية الفداء فدفع في سبي الجاهلية 400 درهم للسيد عن عبده. ابن زنجويه، كتاب الأموال، ص146، كما استخدم أسلوب التقرير حيث قضى بأنه ليس على عربي رق، بن زنجويه، 145
ـ قضائه بتحرير جميع سبي الإمارة بعد موته، كما اعتق كل من صلى ركعتين من السبي وأمر أن يخدموا الخليفة ثلاث سنين، المحلى 10/90
ـ جعله أولاد الإماء أحرار منهم إلى أسيادهم، كما قضى بان الأمة يعتقها ولدها ولو كان سقطا، هكذا رد كل أم ولد بيعت من قبل حتى ردهن حبالى من تستر بخوزستان، ابن حزم ، المحلى 9/217
ـ عتقه سبي اليمن وهن حبالى، وفرق بينهن وبين من اشتراهن ـ القزويني ـ الإيضاح ص249ـ
ـ وصيته بأن يعتق كل عربي في مال الله، المصنف للصنعاني ج8 ص380 و381 وج9 ص168
ـ مساواته بين أهل بدر ومواليهم حيث نجده حين خصص الأعطيات لأهل بدر خصص مثل أعطياتهم لمواليهم ، مصنف بن أبي شيبة،6/457 والسنن الكبرى للبيهقي 6/346
ـ اجباره السيد على مكاتبة عبده اذا رغب في ذلك محولا له من الندب الى الوجوب، فتح الباري 7/387، وقد ضرب على ذلك كما وقع في حالة سيرين الذي رفض ان يكاتب انسا فضربه عمر بالدرة واجبره على المكاتبة البخاري 3560
ـ ترخيصه للرقيق ان يكاتب السيد عن طريق سؤال الناس وقد كتب لعامله في حمص ان يحمل الماس على ذلك، البيهقي، السنن الكبرى 10/ 320
ـ حكمه بتعجيل حرية المكاتب اذا قدر على تعجيل بدل المكاتبة، البيهقي، 10/334
ـ عتقه العبد اذا عاقبه سيده عقوبة خارجة عن الشرع ، مالك في الموطا 2/776
ـ آمره بإعتاق أولاد الزنى وكان يقول: اعتقوا أولاد الزنى وأحسنوا إليهم، عبد الرزاق، المصنف 9/181
ـ عزله ولاته اذا علم أنهم لم يزوروا مواليهم في مرضهم، تاريخ الطبري 5/579
ـ وضعه عن العبد أي عمل لا يطيقه، وقد عاقب عبد الرحمن بن بلتعه لأنه أجاع عبيدا له مما اضطرهم إلى السرقة ، المصنف، 10/239
ـ عتقه مخالفين في الدين من اليهود والنصارى، كما اعتق عبدا له كان يكرر على مسامعه وهو يدعوه يرغبه في الإسلام (لا إكراه في الدين) ابن أبي شيبة، المصنف، 7/613
والواضح من استعراض هذه المجموعة الكبيرة والمتنوعة من المواقف والتشريعات التي خصصها الخليفة عمر للتصدي لظاهرة الاسترقاق هو أننا أمام مقاربة جادة واستثنائية لمعالجة الظاهرة، وبما نصبح معه أمام قضية تشغل بال اعلي مسؤول في الدولة الإسلامية والتي تظل تلح عليه لاتخاذ كل ما يمكن من التدابير والإجراءات لمحاصرتها في أضيق نطاق والتخفيف منها.
رحم الله الخليفة الفاروق .. فكم كان يمثل الإسلام هنا في سماحته وحبه للخير للبشر، فأعطى كل هذا الجهد لمساعدة طائفة الأرقاء مستخدما كامل سلطاته كإمام وأمير وقاض ومشرع.
محمد بابا ولد موهدا
احث في الشريعة والقانون