ما من إنسان سليم الفطرة إلا ويحب الحرية ويطمح لها ويكره العبودية ونيرها ويسعى جاهدا لكسر أغلالها ويبذل وقته وماله ودمه للقضاء عليها وعلى مخلفاتها ويصيح بملء فيه في وجه المستعمرين والطغاة والمستبدين أن اخسؤوا فلحظة الحرية قد ازفت ونسائمها قد انتشرت عبقا زكيا. لذا تقام الاحتفالات والعروض والندوات تخليدا وتمجيدا ليوم الاستقلال المجيد ويعبر كل بطريقته عن سعادته وغبطته وسروره بذكراه،ولكن هل نحن مستقلون حقا؟ صحيح أن جيش المستعمر قد خرج ذليلا مهزوما من هذه الأرض الطيبة الطاهرة وأن حلم الدولة تحقق وأن رايتها ارتفعت خفاقة في السماء وأن أجهزتها العسكرية والأمنية والإدارية والتعليمية والصحية...قد رأت النور وباشرت مهامها،رغم قلة ذات اليد وكثرة العواصف الهوجاء التي حاولت نسف جذور الدولة الوليدة وهي لا تزال في مهدها. وقد توطدت أركان دولتنا بفضل تضحياتنا الجسام فتعددت مواردنا الاقتصادية وتنوعت وأغدقت في خزينة الدولة أموالا طائلة لكن يد الفساد امتدت إليها فبددت في جيوب بعض الساسة ورجال الأعمال الذين لا يهمهم إلا الثراء حتى ولو كان ذلك على حساب الدولة وتطورها ورفاه مواطنيها... تعددت الأجهزة الأمنية وامتلكت الوسائل لكنها لا تزال عاجزة عن نشر الامن وملاحقة المجرمين الذين يروعون المواطنين بل ويهددون سلامتهم. شيدت المستشفيات والمستوصفات العمومية والخصوصية وامتلأت بالطواقم والأجهزة الطبية لكنها لم ترق لمستوى طموح المواطنين الذين ازدادت معناتهم بانتشار الأمراض والأدوية المزورة وضعف تأهيل الكادر الطبي وبحث أغلبهم عن الثراء على حساب صحة المواطن. بنيت المدارس والمعاهد والجامعات العامة والخاصة وعجت بالطلاب ورغم ذلك فإن التعليم لا يزال يراوح مكانه فالمدرس لايحظى بالتقدير اللازم والمستويات متدنية والوسائل لاتصرف في ما خصصت له بل تذهب للجيوب ،والمنظومة التربوية تفتقر للتمحيص والتطوير،بل إنها تناقض هوية الوطن وقيمه وذلك لارتهانها لهويات وقيم استعمارية تفرض ذاتها بتمويلها لمشاريعه... المساجد والمحاظر والمعاهد الدينية انتشرت في كل الأرجاء ولكن القيم الأخلاقيةوالوازع الديني في تراجع بل إن الإلحاد ينتشر بيننا انتشار النار في الهشيم.... الصحافة تكاثرت وتنوعت فمنها المسموع والمقروء والمشاهد،ومنها الورقي والأكتروني، كما أن منها العمومي والخصوصي.. ومع ذلك تفتقر للموضوعية والمهنية وتستخدم لتسويق نزوات الحكام وسياساتهم البلهاء والدفاع عنها...وأغلب طواقمها أدعياء لا خبرة لهم بها.... والمحاكم تنتشر في كل الولايات والمقاطعات ومع ذلك فالعدالة غائبة والحقوق مستلبة والمظالم لاتسترد إلا بوساطة من متنفذ أو وجيه ونحوهما... القبلية والجهوية والشرائحية والعرقية مكرسة والدعوة لهامعلنة وهو ما يهدد اللحمة الاجتماعية وينذر بما لا تحمد عقباه... الإدارات أملاك شخصية للمتنفذين فيها فمن شاؤوا أكرموه ومن شاؤوا أهانوه... المال العمومي ثروة خصوصية للمسؤول عنه إن شاء أعطى وإن شاء حرم. الصفقات بالتراضي وهي حق للمتنفذين ومن يدور في فلكهم ومحظورة على غيرهم. قانون العقوبة والمكافأة معطل بل إنه يخضع للمحسوبية والقدرة على التملق والنفاق.. وهكذا في كل مفاصل دولتنا يستشري الظلم والإستبداد والمحسوبية والنهب والخيانة والرشوة والجهل والمرض....فهل لنا من استقلال وتحرر من نيرها؟