المنافسة بعيدا عن العشر العجاف / الحسن مولاي علي

تعذر القفز على "معصومات" الدستور، والتقدم لمأمورية ثالثة، على الرئيس ولد عبد العزيز، فدفع بزميله ورفيق دربه محمد ولد الغزواني، مرشحا لخوض المنافسة غير المتكافئة على المنصب الأسمى في الدولة، تحت يافطة عريضة عنوانها الأبرز هو "استمرار النظام"؛ ووسط حالة غير مسبوقة من فوبيا "الصنادرة"، أعدت فصائل من القوى السياسية عدتها ليوم النزال الموعود، لكنها لم تتمكن من الاتفاق على مرشح موحد، فولج إلى حلبة المنافسة أربعة رجال، يتمتع كل منهم بدعم جناح من طوائف وشرائح المعارضات الوطنية؛ وما زال لافي الأفق أسماء أخرى تنتظر، وقد وزعت الدعوات لحضور مهرجاناتها لإعلان الترشح؛

"استمرار النظام" وهو الشعار الأبرز في حراك المرشح غزواني، يستبطن الرضى المطلق عن فترة العشر سنوات الأخيرة، لا بل إن حديث القوم الناشطين في الحملة المهيئة، عما يسمونه "حصيلة العشرية" أعلى بكثير، من حديثهم عن المرشح ومزاياه وقدراته وبرامجه ووعوده وما يبشر به، مما جعل بعض الذين أبدوا كثيرا من حماسهم للرجل يوم إعلان ترشحه، يردون أيديهم في أفواههم، ويقدمون أكثر من علامة استفهام؛ منها المتعلقة بالحضور الطاغي لرئيس منتهية ولايته، في نشاط رئيس يتقدم لنيل تزكية الناخبين، من خلال وعوده وبرامجه، ومنها التأكيد في كل مناسبة على أن الرجل هو مرشح سلفه الذي كان شريكه.

والواقع أن الناس يختلفون كثيرا في تقييمهم للسنوات العشر من حكم ولد عبد العزيز؛ فيعتبرها بعضهم، وأنا من ذلك البعض، عشرا عجافا، بلغت فيها أكثر قطاعات الدولة حيوية، مستوى من الانهيار غير مسبوق، كالتعليم والصحة والأمن والنقل والطرق والبيئة؛ وتم فيها انتهك الدستور و الثوابت والمقدسات وقوانين الجمهورية، وعبث فيها بالمواثيق والأعراف السياسية، وديست القيم والمثل الإنسانية، واستلبت الحقوق الأصلية والمكتسبة للمواطن، وشاعت الفاحشة والجريمة، وعم الجهل، وانتشرت الأمراض، واتسعت دائرة الفقر ونسبة البطالة، وتضاعفت الأسعار، وباتت كلفة الحياة باهظة لحد لا يطاق؛

وكما يختلف الناس في تقييم العشرية، فإنهم يختلفون أيضا في نظرتهم التقييمية للسيرة السياسية للرئيس ولد عبد العزيز؛ فيعتبره بعضهم، وأنا من ذلك البعض، من أسوأ الرؤساء سيرة، وأكثرهم فسادا واستهتارا بالقوانين، واحتقارا للمواطن، وعبثا بالثروة الوطنية، واستيلاء على المال العام؛ فالرجل منذ انتزع السلطة خارج القانون، وأرغم الناس على بقائه فيها، اعتبر الدولة غنيمة حرب، وملكا خصوصيا، واستلب، ما وقعت عليه عينه من أملاكها وعقاراتها؛ مدارس وثكنات وأسواقا وساحات ومجالات حيوية، محولا إياها إلى استثمارات شخصية؛

انتهت العشر العجاف؛ وحيل بين صاحبها وبين مأمورية ثالثة غير دستورية، أعد لها هو ومن حوله طويلا، فاضطر لتقديم بديل من أهل ثقته، من داخل النظام؛ وهكذا ابتسم الحظ لرفيقه وشريكه وقائد جيوشه محمد الغزواني، وهو رجل يتمتع بمستوى كبير من القبول، ولم يشتهر عنه الولوغ في فساد السلطة، علنا، مثل من تقلب فيه ظهرا لبطن؛ وهو ينتمي إلى عمق المناطق الشرقية، وينحدر من حضرة صوفية عميقة التدين، ولا تحمل ثارات غائرة من غلاب عهود السيبة؛ ولكل تلك الميزات والخصوصيات، وفضلا عن دعم النظام وأنصاره وشركائه، التحق بالرجل معارضون كثر، جماعات ووحدانا، قدروا أنه المؤهل أكثر من غيره، لفتح ممر آمن لفكاك طال انتظاره، من حكم عسكري تجاوز سن الأربعين؛

إلى هنا لا إشكال؛ لكن سؤالا ملحا يفرض نفسه في السياق، وهو يتعلق بمدى تأثير التباين في الموقف التقييمي من ولد عبد العزيز وعشريته، على مستوى الانسجام بين المجاميع والمكونات الداعمة للمترشح ولد الغزواني؛ فإذا ما قرر منتقدو عشرية ولد عبد العزيز الالتحاق بركب الغزواني، وهو أمر حدث ويحتمل الحدوث، ثم هموا بإغناء حملته الدعائية بأدبياتهم ونقدهم اللاذع، لفترة العشرية وصاحبها! فهل يا ترى، سيرحب الغزواني بتلك الفئة من الوافدين، ويعتبرهم إضافة نوعية، كتعزيزات انتخابية من خارج الدائرة التقليدية لصناعة الازدلاف والتصفيق؛ أم أنه سيضيق بأدبياتهم تلك ذرعا، ويضعهم أمام اختبارات الازدلاف لولد عبد العزيز، والثناء –نفاقا-على العشرية الكالحة؟

أليس من المنطقي أن يتاح لكل المتسابقين، من موالاة ومعارضة، ميدان متكافئ لعرض برامجهم وما يعدون به، بعيدا عن الجدل حول عشرية مختلف في توصيفها، وقد باتت من الماضي، وأشرف صاحبها على مغادرة القصر، حيث يكون، مثل كل من سبقه من الرؤساء، نسيا منسيا؟!

11. أبريل 2019 - 8:43

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا