من المخجل أن نشاهد تهافت (نخبة البلد) الثقافية والسياسية على نحت مصطلحات وتطويع أخرى لتخدم ارتهانها لواقع، نتباين حول تقييمه، لكن تلك (النخب) تراه قدرا مقدورا دون أن تفكر، مجرد التفكير، في تغييره بما يخدم تنمية الوطن و"الوعي السياسي" للمواطن، في بلد يسير ببطء نحو إرساء أسس دولة المواطنة والقانون والمؤسسات.
ومن المصطلحات المطوعة، وهي كثيرة ومتنوعة، مصطلح "الدعم اللامشروط" التي تنم عن براءة و ارتهان مطلق و "غير مشروط" لجهة أو طرف أو شخص بعينه، بحيث نحكم له بالعصمة من الزلل والخطأ ونعتبره بهذه التزكية المطلقة ملاكا، بل وأكبر من ذلك بكثير، فنمكنه، بتلك العصمة، من رقاب العباد ومستقبل البلاد وكأننا بلا رأي ولا رؤية أو تصور لمستقبل بلدنا وشعبنا، ويكفينا ذلك المصير الذي يحدده لنا ولوطننا صاحب العصمة المزكى ؟!.
في مقال سابق تساءلت مستغربا: كيف ندعم مرشحا بعينه قبل أن نتبين ملامح برنامجه الانتخابي، إذ لا يحصل ذلك في تاريخ الديمقراطيات العريقة، على علاتها، إذ ليست العبرة، في أي مرشح، بالمكانة الاجتماعية ولا السياسية ولا بالموقع والنفوذ، على الأقل بالنسبة لنخب واعية ومثقفة تتطلع لــ"الوحدة والتنمية" في مجتمع تعرض لهزات عديدة في الآونة الأخيرة، بل العبرة بما يلتزم به المترشحون لمثل هذه الاستحقاقات المصيرية في برامجهم من وعود تنموية شاملة تلبي تطلعات النخب وأولويات الوطن والمواطن.
وما يستغربه الكثيرون، مثل العبد الفقير، هو سرعة تصنيف من يحملون رأيا مغايرا، يرونه جريئا، رغم أنه ليس أكثر من رأي صريح وصادق يريد صاحبه تنبيه النخب الوطنية بمختلف اهتماماتها إلى أمر طبيعي جدا وهو أن نتريث في انتظار أن نجد مبررا لدعم زيد أو عمرو على ما يقدمه لنا ولوطننا من التزامات واضحة وصريحة في برنامجه الانتخابي حتى يستحق علينا الدعم المشروط بوفائه بتلك الالتزامات والوعود الانتخابية، ولا يمكن بأي حال أن يكون دعمنا غير مشروط إذا كنا بالفعل نخبا وطنية وفية للوطن وللمواطن ولسنا مجرد أصحاب تطلعات شخصية لامتيازات ذاتية لا صلة لها بالطموح لإطلاق مسيرة تنموية تناسب تطلعات شعب يعاني منذ الاستقلال المعلن عام 1960.
صحيح أن سنوات اليأس التي عاشتها النخب منذ الاستقلال قتلت في غالبيتها حس الانتماء الوطني وحولت تلك التطلعات المشروعة لفائدة الوطن والشعب إلى مجرد طموح شخصي للحصول على امتيازات ذاتية تمكن صاحبها من تحسين ظروفه المعيشية وتغيير وضعه القاسي إلى وضع أفضل، لذلك تطورت آليات التقرب من النافذين من مرحلة استغلال الانتماء القبلي وتطويع القبيلة سياسيا إلى عناوين (نخبوية) على شكل مبادرات داعمة لهذا المرشح أو ذاك حتى قبل أن يعلن عن الخطوط العريضة لبرنامجه الانتخابي خلال مأمورية المقبلة حين يفوز.
إن ما تحقق من مكاسب في مجالات عديدة، يستحق منا الإشادة والتنويه رغم أنه لا يمثل جل طموحاتنا كشعب صبور، وقد تحقق بموارد الشعب والبلد وبالديون الخارجية التي سندفع نحن وأبناؤنا من بعدنا أقساطها للممولين، إلا أنها بالفعل انجازات تلبي جزءا مهما من تطلعاتنا ونطمح لإنجاز المزيد، فهل أعلن أي مرشح رئاسي لاستحقاقات يونيو المقبل برنامجه وما ينوي القيام به في المأمورية الرئاسية المقبلة؟! وهل حدد أي من هؤلاء مشروعه التنموي الشامل؟ وماذا عن تقييمنا لإخفاقات العشرية الأخيرة وهل بين المرشحين من سيواصل المسيرة السابقة، على نفس المنوال، بما لها وما عليها؟
كما أسلفت، وفي كل الديمقراطيات العريقة، يتم دعم المرشح، كل مرشح، على أساس التزاماته ووعوده الانتخابية وليس على أساس أي معيار آخر، لذلك أجد من غير المناسب لنخب وطنية وفية لشعب صبور كشعبنا أن تقدم "آيات الولاء والطاعة" و"الدعم اللامشروط" وكل مصطلحات النفاقولوجيا المستفحلة لأي مرشح على النحو الذي نشاهده اليوم، فما الذي أبقته النخب الواعية للعامة والبسطاء ؟!.
أحمد ولد مولاي امحمد