كلمة الإصلاح ستحاول في مقالها اليوم وأمام هذه الانتخابات أن تعود بأفكار المواطنين كل المواطنين إلى الواقع المعيش منذ 78 إلى يومنا هذا ألا وهو وجودنا الدائم تحت النظام العسكري الهجين .
فمن المعلوم أن موريتانيا استـقلت وهي مدنية وبرئيس مدني وحكم مدني كذلك، وهذا هو معنى كلمة "الجمهورية " فالجمهورية هي التي يحكمها حاكم مدني بقانون مدني من دستوره إلى قوانينه التشريعية مرورا بالمراسيم والقرارات وحتى اللوائح البلدية .
ومعلوم كذلك أن الحكم المدني يتكون من رئيس مدني يطبق تكويناته المدنية التي حصل عليها من تعليمه المدني الذي يعرف منه أنه لا يملك شرعا من هذه السلطة إلا ما هو منصوص عليه في تلك القوانين المدنية مثل أي مواطن آخر .
أما الحكم العسكري فيتكون من رئيس تكوينه عسكري ويحكم بالقوانين العسكرية ودائما يكون هذا الحكم في الدول المدنية (استـثنائي) فلا يلجأ إليه إلا إذا كان الحكم المدني عاجزا عن تطبيق القوانين المدنية بقوته المنصوص له استخدامها لاستمرار السير المنظم والهدوء والسكينة العامة في الدولة ، وعندئذ تلجأ الدولة إلى حالة الطوارئ بتعطيل الأحكام المدنية المعمول بها وإبدالها بالحكم العسكري المطبق للأحكام العسكرية التي هي أكثر صرامة في التطبيق وردع الخارجين على القانون المدني والأكثر في هذا الإجراء أن يكون مأمورا بتطبيقه القوات المسلحة التي تملك سلاحا للتغيـير العاجل الذي يعيد الأمور إلى طبيعتها بسرعة .
وفعلا نحن الموريتانيين بعد ما كنا دولة مدنية ـ وبالرغم من أن دولتنا استقلت دون أن تكون إرثا لأي نظام فيها لا مدني ولا عسكري تسير عليه فقد أعطانا الله شعبا وإن كان مختلف الألوان واللغة فهو متفق في الإسلام والمسالمة والخلق الرفيع كما أعطاه الله قيادة منه آنذاك تحمل خلقه بل وجميع سماته المميزة المفضلة عند المولى عز وجل وشمل ذلك كل أعوانه مع اختلاف ألسنتهم وألوانهم .
ونتيجة لطوارئ الزمن غير المتحكم فيها دخلنا حرب الصحراء بنية حسنة إلا أنه لا مناقشة الآن في تبرير ذلك الحسن وبعد ذلك جاءت نية أخرى حسنة بالانقلاب عندما وصل الأمر إلى ما وصل إليه ، ولا مناقشة أيضا الآن في التبرير .
ومن هنا وهنا بالذات حصل ما هو حاصل وهو استمرارنا في هذا الحكم الهجين من رئيس عسكري فكرا وتكوينا وممارسة ودولته التي يترأسها عندها دستور وقوانين تشريعية ولوائح مدنية ، وكنا في العهد الأول يكون الرئيس العسكري فيه لابسا لبذلته العسكرية وفوقها نياشينها ونجومها الأرضية الدنيوية ويعين من زملائه العسكريين ما شاء بمعنى أن الشعب ينظر ولا يلفت نظره إلا ورأى متخرجا من الأكاديميات العسكرية ولاشك أنه كان يدرس فيها كيفية وضع الكمائن أثناء القتال وملاحظة قوة حجم القوة المهاجمة وما يجب من الاستعداد لرد الهجوم وكيفية أسر العدو الخ التعليمات المدروسة والمعمق في دراستها في قمة شباب العمر وصقالة التفكير ، فإذا هو معين على وزارة التجهيز أو البيطرة أو مصلحة الدفاع المدني أو غير ذلك من المؤسسات التي لا يحق أن يكون عليها إلا من يعرفها دراسة وتكوينا وهدفا له أثناء دراسته لها.
وفي أثناء استمرارنا على هذا الحكم الهجين جاءنا القدر بأحداث أخرى لا مرد دون الله لعدم وقوعها، وهي تلك الأحداث التي جاءتنا بتـغيير طفيف للحكم الهجين في موريتانيا وهو تخلص الرئيس العسكري من بذلته العسكرية ونياشينها ونجومها الأرضية وترشح للرئاسة المدنية تحت اسم هذه الديمقراطية الهجينة الفوضوية ونظرا إلى أن تكوينه لا يمت بصلة إلى الديمقراطية كما هي فأنشأ هو الآخر هجينا من السلطة المدنية والعسكرية في آن واحد فبعد رئاسته ظن أن الدولة في الديمقراطية أولا هو أن الدولة ملك له خاصا ولكن هو باختياره وعمله أعطاها ثمنا لكل من هو مستعد للولاء الأبدي الذي هو الطاعة العمياء الدائمة المعلنة بأشعارها وأهازيجها وكل ما تملك من إظهار هذا الولاء، فمن كان من رجال الأعمال فتحت له الطريق إلى الصعود إلى ما يريد من الثراء ومن كان يفضل التعيين بجميع أنواعه فذلك مفتوح له ولأقاربه وأصدقائه لا عن طريق المسابقات ولكن عن طريق الولاء المطلق ـ وقد أعان ذلك الرئيس الهجين في تكوين هذا المعسكر قضية الانتخابات الطارئة ووظائفها ذات الراتب الكبير في جميع المؤسسات الدستورية ذات الصلة ـ وبهذا مع الأسف لم يبق من الشعب الموريتاني عن هذا النوع من الولاء لهذا النوع من الرئاسة إلا القليل من الشعب الموريتاني فأصبحت غالبية الشعب تمثل الجنود بلباس مدني ، فالوجهاء في القبائل ضباط سامون عندهم نياشين في ذهن الرئيس يتعامل معهم عن طريقها من الترقية والتعيينات التي يكون هؤلاء الوجهاء الشخصيين أو رجال الأعمال أو القبائل هم شهادتها التي يتم التعيين على ضوئها ، كما علم هذا الرئيس الهجين أن الديمقراطية تبيح في تسيير الدولة اسم المعارضة ولكن نصف الهجين من الحكم لا يقبل تفعيل المعارضة بإفصاحها عن رأيها في التسيير والحياة العامة للشعب بل لا حق لأفرادها في التوظيف إذا أعلنوا عن معارضتهم لأن الثقافة العسكرية ليس في قاموسها كلمة المعارضة بل مكانها كلمة الطاعة العمياء .
وبهذا النوع من التسيير للحكم تدهورت الحالة السيئة للدولة حتى كادت أن تنطق الدولة بقولها أنا أنادي من ينقذني؟ فاستجاب لها الأخ صالح أولا ولكنه لم ينجح انقاذه وبعد ذلك جاء هذا الرئيس الحالي تدفعه نتائج قضية لمغيطي وإجبارية الثأر من الفاعلين بلا عتاد ولا قوة ولا أي شيء فقرروا انقلابهم على الرئيس آنذاك ولكنهم أرادوا بعد ذلك مدنية الحكم فأتوا برئيس كانوا يظنون أنهم يستطيعون تهجينه فإذا هو تكون وتربى وأمتهن الديمقراطية الخالصة التي تتيقن أنها لا تملك من الدولة إلا ما هو مكتوب في القانون وامتنع أن يحيد عن ذلك فأزاحوه بسرعة وجلسوا مكانه بإرجاع البذلة العسكرية وما علق عليها ولكنها نظرا للرأي العالمي وإشاراته من ناصيته الكاذبة الخاطئة المنافقة نزعت السلطة بذلتها العسكرية المحمولة قوق جلدها إلا أنها أخذت بقوة وعزيمة طريق سلفها العسكري من الوصول إلى الرئاسة الهجينة بأعتى تطبيقاتها ظاهرا وباطنا من توسيع الجنود الاحتياطيين من القبائل والوجهاء فأنشأ رجال أعمال جدد يعرفون كيف يأكلون ويتمتعون ويلههم الأمل باستمرار هذا النظام الهجين إلى ما لانهاية .
فاتسع الولاء ورعـفت أقلام من يعرف الكتابة بما فيها من المداد بالمدح والإشادة بهذه السلطة وما انجزت في عشريتها الموصوفة عند الموالاة بالنوعية الاستـثـنائية وموصوفة عند المعارضة بالمقام في الدولة الأجنبية عليها .
وفعلا فإن هذا الرئيس أصبح لا رجل معه في الدولة بعسكريته في ثوبه المدني فأنجز كثيرا للدولة الموريتانية: أولا أنقذها بانقلابه الأول من الانهيار وبعد ذلك حارب رجال الأعمال المفسدين قبله كما سماهم وأرجع إلى موريتانيا كثيرا من إنتاجها المنهوب سواء التقليدي منه وطنيا أو ريعي الشركات الأجنبية وانفق كثيرا من هذا المال على البنى التحتية ، كما أسس لنواة جيش كان منهارا وأقام سمعة لموريتانيا في الخارج نادرة الوقوع قبله .
ولكن على الموريتانيين أن يتفضلوا ويمنحوني آذانهم بعد ذكر ذلك الإنجاز العظيم لهذا الرئيس الهجين المدني العسكري بالأفكار والأوامر والممارسة للحكم بالروح العسكرية من جهة وقيامه بالانتخابات وإصدار القوانين المدنية إلى آخره من جهة أخرى .
أولا : هذا الرئيس إذا كان عمل كثيرا من الانجازات لموريتانيا فموريتانيا أسدت له كثيرا من الانجازات الملكية فمن يقارن أملاكه يوم انقلابه بأملاكه اليوم كمن يقارن نهر السنغال بالمحيط الأطلسي كما يقول المواطنون ومن يقارن سمعته الشخصية قبل انقلابه بسمعته الآن كمن يقارن بسمعة خالد بين الوليد رضي الله عنه في الحروب وسمعة ويس القرني بابتعاده عن السمعة بالهروب .
فقد أعطت موريتانيا لهذا الرئيس أو أخذ من الأموال والسمعة لو اجتمع مال جميع رؤسائها الأقدمون بعد رئاستهم وقبلها لكانوا مثل الأجراء في ماله .
ثانيا : هذا الرئيس بسبب هذا الحكم الهجين وشخصيته العسكرية استغنى عن عمل الإدارة المدنية بولاتها وحكامها وشرطتها وأبدلها بالدرك والحرس والنفخ الروحي المادي فيهما مع الجيش مع ترك الأمن العام للمواطنين لنهش السكاكين والخناجر لما تحت القلوب وفي وسط البطون من طرف اللصوص جهارا نهارا مقابل إنفاق اللصوص بالعيش الحسن والفراش الوفير مع العناية الصحية المداومة وتقليم أظافر القضاء بعدم تنفيذ أي حكم جنائي غير هذه النفقة الحسنة التي تخول لصاحبها الخروج ثم العودة للتلصص ثم الرجوع إليها ثم الخروج للتلصص وهكذا دواليك .
ثالثا : هذه الديمقراطية الهجينة لن تفرق في الحرية بين حرية التعبير داخل ما يجمع الشعب ويرشده إلى الوحدة والتضامن وبين حرية التعبير العنصري الذي فرق الشعب حتى أصبحت كل عائلة شريحة وحدها تبحث عن أصلها لتبني عليه كلام التفرقة والعنصرية فلم تنشأ هيئة أمن داخلية تقضي على هذه الكارثة بدون عنف ولا ضرر .
رابعا : الطبقة الفقيرة يعرف الجميع أنها لا يشملها جميعا بالنفع إلا قرارا عاما بتخفيض الأسعار الشيء الذي لم يخطر على بال هذه الرئاسة فهم لا ينتفعون من الأمن الصحي لخصوصيته بأهله المحددين غير الفقراء نسبيا فمن لا يملك إذا مرض إلا المرض، فهو ذاهب إلى مصيره المحتوم .
ولا يمكن للشعب أن ينسى عند تخفيض سعر البنزين إلى الحضيض أن هذه السلطة لم تتبع لذلك تخفيض الأسعار الذي ينتفع به الفقراء جميعا في التـنقل ونقل البضائع وخفض الأسعار بالقوة لأجل تخفيض سعر البنزين .
خامسا : وهو أخطرها ألا وهو تنمية النفع المباشر في قلوب المواطنين بالولاء المكشوف الصارخ الذي عم هذا الشعب بشبابه وشيوخه رجالا ونساءا وبصفة أصبحت مزعجة يتوارثها الرؤساء العسكريون الهجينون بين الخلفية العسكرية والمدنية الملحومة بتلك العسكرية فكرا وممارسة ، فمن رأي ما يقوم به الشعب من المبادرات القبلية والفردية والهيآتية إلى آخره من الاستعداد للإتيان عن صناديقهم بالمترشح العسكري فمع إن الله أعطاه من الأخلاق والتواضع وكل الأوصاف الحميدة التي يستحق بها هذا الترشح الذي رفعه خطابه الأول إلى قلوب غير الولائيين للحكم السابق ولكن جاء خطاب وداع الوزراء والرحلات الكرنفلية وحناجر الولائيـين وإرغام جميع المواطنين على الإعلان بأن هذا المترشح رفيق درب المنصرف ووارث سره ومنفذ أوامره وامتداد لانجازاته ومحاولة النقش في قلوب الموريتانيين أن هذه السلطة القادمة هي امتداد للأخرى فقط بل هي محللة لها كما قال الشاعر الموريتاني:
الرئاسة حرمت ذا العام ** ودور حد تشوتر بيه ** وايأبان اخطبه ذا العام** غزواني وإياك تسكريه إلى آخر الطلعة ، وإظهار أن كل هذا الولاء سببه أنها امتداد للسلطة الأولى ولذا يكتبون دائما مرشح الوفاق أو مرشح الجميع متجاهلين مرتنة كل المترشحين ومن ينوي التصويت لهم كأنه غير موريتاني عملا باعتقاد ومعاملة الحكم المنصرف ولو مؤقتا أو من وراء حجاب لجميع المعارضة أو من لم يعلن ولاءه إلى آخره في زمنه .
وعلى كل حال فأنا أقول للموريتانيين أن عليهم أن يغتنموا الفرصة جميعا ونحتفظ بما أنجزه الحكم المنصرف وهو كثير وكثير جدا ولا أريد بذا أي منفعة ولكن شهادة لله فقط وطلبا مني لنظر المولى عز وجل إلى موريتانيا بنعمة التوفيق إلى الألفة بين قلوبنا حتى نصبح جميعا إخوانا لا موالين مولاة النفع ولا معارضين معارضة الكراهية بل مثل قلوب أهل الجنة منزوع من صدورنا الغل والحسد ونكون إخوانا متقابلين وذلك بالتصويت إلى الإطار من الدرجة الأولى الذي لم تسبق عليه ايدلوجية يعمل بمقتضاها إلا ايدلوجية الإسلام التي نادته بقوله تعالى (( يا أيها الين آمنوا أركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون ))، وقطعا من نظر إلى وجهه سيدرك أنه ليس بوجه كذاب ولا مخادع ولا فعال للسوء، وبذلك نعيش ولو خمس سنوات فقط متحدين حتى نذوق حلاوة العدالة بالحكم المدني بلا خلفية عسكرية ولا موالاة تنسى أوامر الإسلام ساعة انفلات حناجرها بكل كلمة يمكن تركيب حروفها للمدح إلى آخره ، ونتيقن أن الحكم السابق لم تسلل أوامره إلى رفيق دربه لأنها عندئذ سوف تقتصر على مصلحة الموالاة للرجوع عن قرب إلى ما لا يريده كل الموريتانيين.
أيها الموريتانيون ارجوا أن تعيدوا النظر وتتأملوا حياة وثـقافة وسيرة الأخ سيد محمد ولد ببكر الذاتية لا وجوده تحت حكم عسكري لا يفهم المشاورة ولا الاستماع إلى الرأي الآخر مع أن صفة المؤمنين في الحكم والتي سوف يتمسك بها بإذن الله هي قوله تعالى (( وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون))