المتتبع لتطورات الأوضاع الاﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﻭﺍلاﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ تمر ﺑﻬﺎ بلادنا منذ حوالي ستة عقود، وكذلك التحديات الأمنية الداخلية الماثلة أمامنا، والإقليمية المحدقة بنا يدرك جليا أننا اليوم بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى وجود رؤية سياسية واقتصادية شاملة، وواضحة تأخذ في الحسبان طبيعة الأوضاع القائمة، وتعتمد على الموارد المتاحة، وتضمن تكثيف الحظوظ، ونشر المساواة الاجتماعية عن طريق تمييز إيجابي مناطقي بلا لون يصب في مصلحة الجميع، وبالخصوص في مصلحة المغبونين اقتصاديا وإجتماعيا لأسباب تاريخية أيا كانت تلك الأسباب على أن يتم تطبيق هذا التمييز في المجالات الثلاثة التالية:
(1)
التمييز الإيجابي في المجال التعليمي والتكويني لصالح المناطق التي تصنف اعتمادا على قاعدة بيانات، وحسب معايير موضوعية مناطق ذات أولوية تربوية مثل آدواب، وبعض أحياء العاصمة، وكذلك بعض المناطق الريفية الشديدة التأثر بالتغيرات المناخية التي تنخفض فيها نسبة التمدرس، وفي كل هذه المناطق المصنفة يتم إنشاء المدارس النموذجية المتميزة حسب الأولوية تحت الرعاية التامة للدولة وعلي نفقتها، وكزيادة في المعاملة التفضيلية يجب تبني مشروع خريج جامعي لكل أسرة من أسر آدواب على حساب الدولة والمجتمع، واستحداث علاوة معلم أدباي بقيمة نصف راتبه، هذا بالإضافة إلى فتح مراكز للتكوين المهني، وتنفيذ برامج تدريبية حول وسائل الإنتاج الريفية الزراعية والرعوية، و الصناعات الريفية للشباب الأميين، والمتسربين من المدرسة، وكذلك تخصيص منح دراسية للطلبة الجامعيين القادمين من المناطق المعنية مع تخفيض الحد الأدنى للمعدل المطلوب عند التحاقهم بالكليات والمعاهد العالية المتخصصة.
(2)
التمييز الإيجابي في المجال الاقتصادي والاجتماعي يستهدف تقليص التفاوت التنموي المناطقي، وإشراك للمناطق المستهدفة في الدورة الاقتصادية الإنتاجية الوطنية عن طريق تمييز ضريبي، وحوافز استثمارية للمقاطعات التي تتبع لها المناطق المستهدفة، وتمويل المشاريع المدرة للدخل على سبيل المثال لا الحصر: مشاريع تطوير الأراضي الزراعية، ومشاريع تربية المواشي والدواجن، وتشجيع سياسة الأسرة المنتجة، وتطوير الصناعات الريفية، التي يجب أن تكون منتجاتها، والمصانع في المناطق المستهدفة معفاة من الضرائب مع تطبيق تمييز ضريبي، ومالي للشركات، والمشاريع بحجم فرص العمل التي تتيحها في المناطق المستهدفة مع استحداث ضريبة على أرباح الشركات الوطنية، والشركات الدولية العاملة في المجال المعدني، والصيد، بحيث تستخدم هذه الأموال في صرف رواتب دائمة للأسر الأقل دخلا خاصة في آدواب.
(3)
التمييز الإيجابي في المجال السياسي والوظيفي لزيادة فرص العمل لصالح الفئات المستهدفة داخل الدوائر الحكومية، والمؤسسات؛ مما سيسمح بتجاوز التمثيل الرمزي التجميلي الذي يتيح لثلة فقط الوصول إلى مواقع قيادية في دوائر حكومية وغير حكومية محدودة على حساب القاعدة العريضة المستهدفة، بالإضافة إلى سن تشريع جديد يلزم الشركات الوطنية التي تنافس للحصول على مناقصات حكومية استيفاء نسبة العمال من الفئات المستهدفة، وكذلك تمييز في المجال السياسي يعزز المشاركة الفاعلة في السياسة عن طريق حجز عدد محدد لهم على اللوائح الوطنية البرلمانية والمجالس الجهوية مع تعميق الوعي السياسي في أوساط الشعب، والأحزاب، ومنظمات المجتمع المدني الشبابية لخلق ثقافة سياسية لديهم حول تجليات ومخاطر مختلف ظواهر الغبن والاقصاء والحرمان مثل ظاهرة العبودية ومخلفاتها، وذلك لبناء إرادة سياسة لديهم، وإصرارعلى مواجهة هذه الظواهر .
اليوم وبعد خطاب الواحد من مارس الذي تكرر ذكر التمييز الإيجابي فيه مرتين، و جولة الاتصال بالمواطنين في جميع مقاطعات الوطن التي تم التأكيد من خلالها على هذا المحور الأساسي أصبح أملنا كبير، وتطلعاتنا أكبر في أن يتحقق حلم تحويل أكبر مشاكلنا ظاهرة العبودية ومخلفاتها إلى ميزة تفضي في النهاية إلى تحويل آدواب إلى قرى إنتاجية حديثة.
العهد بيننا وبينه بلورة نموذج تنموي جديد يأخذ في الحسبان سلبيات موروثنا التاريخي، والثقافي مثل الرق وآثاره، وانقسام المجتمع العمودي، والتفاوت التنموي الإقليمي، ويفضي إلى تطبيق تمييز إيجابي مناطقي يضمن تكافؤ الفرص، ويخلق الدولة الوطنية الجامعة العادلة في القلوب وعقول مواطنينا، وليس تحصيصا شرائحيا يضع أخطاء جديدة محل الأخطاء القديمة.