حضرة الفريق،
لعلكم بالنسبة لي أحد قلائل الجنرالات وأولي الرتب السامية من عساكر شبه منطقتنا من تهم الكتابة إليهم من خلال رسالة مفتوحة من مواطن مغاربي عادي، قادم من أعماق الصحراء، زاده الحب المفعم لبلادكم الجزائر...
ثلاث دوافع، أحس بها في أعماق الشعور، جعلتني أتوجه إلى حضرتكم.
حضرة الفريق،
أولا لما قدمتم من تضحية خدمة لبلادكم في فترتين فارقتين من حياتكم. فقد وهبتم شبابكم للمهمة البطولية شبه المستحيلة المتمثلة في تحرير الأرض، كما لبيتم في مرحلة صعبة ومعقدة نداء الواجب الوطني لإنقاذ بلادكم من العشرية السوداء. تلك المهمة، شبه المستحيلة أيضا، أديتموها بنجاح ومهنية حتى غدت الجزائر اليوم حبلى بالآمال ومليئة بالحيوية...
الله وحده يعلم حجم المعاناة والمخاطر التي تعرضتم لها وأنتم تقفون سدا منيعا في وجه عصبة "جنرالات فرنسا" الذين أفسدوا مسلسل الديمقراطية وأشعلوا فتيل الحرب الأهلية. وما أخطر الحريق حين يكون مسعفها هو من يمدها بوقودها!
تلك إذن هي الخطوط العريضة من مساركم التاريخي الشخصي التي لا يستطيع أحد انتزاعها منكم. فهو ماضيكم مشهود الألق. أما الحاضر، حضرة الفريق، فهو داعي الثاني لأكتب إليكم..
حضرة الفريق،
اليوم الوقت خطير والوضع في غاية الحساسية! وغالبية شعبكم يعبر عن إرادة عميقة في الإنعتاق.
ليست الضائقة الاقتصادية هي السبب المباشر في انبعاث الحراك الشعبي الجزائري الذي نشهده اليوم كما يحدث في بعض البلدان الأخرى ـ كما في السودان مثلا ـ وإنما الطبقة الوسطى من المجتمع التي أنتجتها الدولة الجزائرية مع مرور الوقت هي عماد القومة الاجتماعية الحالية المطالبة بالتغيير.. إنه بكل بساطة زمن جديد يمثل اختبارا حقيقيا ودقيقا لحكمتكم وخبرتكم وفهمكم للتاريخ...
في مثل هذه الظروف، تنشأ فئتان من الجنرالات، فئة القادرين على رسم المآلات ـ وما أقلهم ـ (دكول كان من ضمنهم مثلا) وفئة ـ وهم كثرـ لا تتحرك إلا في دائرة ما انتهت إليه رؤيتهم.
في تقديري الشخصي المتواضع، كان تسييركم لهذا الحدث المفاجئ الهائل متميزا إلى غاية الأسبوع السابع من الحراك. فقد أنهيتم العهدة الرابعة بأمان وطبقت تعليماتكم الصارمة من قبل قوى الأمن بتوخي أعلا درجات ضبط النفس والحذر تجاه المتظاهرين السلميين. وبالجملة فقد انحزتم إلى خيار شعبكم.. فكل التهاني!
ولكن، حضرة الفريق، إبقاؤكم على التطبيق الحرفي للمادة 102 من الدستور وما بدا من علامات التشدد لدى قوات الأمن تجاه المتظاهرين بين الأسبوعين السابع والثامن جعل الشقة بينكم وقطاع واسع من شعبكم تتزايد بشكل ملحوظ. لقد ذكرتم بمخاوف من دخول البلاد في الفراغ الدستوري، وأنتم على صواب في ذلك. كما نبهتم بالمخاطر حولكم وأنتم على صواب في ذلك أيضا. وحذرتم ممن يتربص بالجزائر الدوائر ولا تزالون على صواب في ذلك حضرة الفريق..
ولكن ألا ترون أن أهم وسائل الدفاع من مغبة أعداء بلادكم في الخارج هو بالتحديد صلابة جبهتكم الداخلية..؟
كاتب هذه السطور متأثر بفكر مالك بنبي وزير الثقافة السابق لدى بلادكم. وهو أول من أطلق مفهوم" قابلية الشعوب للاستعمار". فهو يشبه المستعمر بالفيروس الذي ينتظر لحظات انخفاض المناعة الداخلية للجسم ليجتاحه..
حضرة الفريق، بالنظر إلى أهم مطالب الحراك، فإن شعبكم ما طلب منكم ما يعجزكم!
هل طلب منكم حل الدستور والبرلمان بغرفتيه؟ هل طالب ببتر ثديي الحكم في الجزائر منذ تحرير الأرض: حزب جبهة التحرير الوطني (ومشتقاته) والنخبة الفاسدة من الجيش؟
هل اشترط الإطاحة بالمجلس الدستوري للبلاد؟ شيء من ذلك لم يحدث وإن كان بالإمكان حدوثه لأن شعبكم دخل بوضوح في مسلسل ثوري. والثائر، على مدى التاريخ، حالم بتحقيق جميع مطالبه في الحال لا بعد حين!
إن الضمير يملي على "الباءات الثلاثة " التضحية بكراسيهم من أجل الصالح العام الجزائري. فوجب ترك ما لا يهم للمهم حتى ولو كان في ذلك ما يتعارض مع الدستور! فدساتيرنا ليست بتلك القداسة! كم داسها حكامنا ولووا أعناق نصوصها وأهانوها وابتذلوها وإن أقسموا عليها.. وإذا كان في الفقه الأصيل، لا تجوز الصلاة بمن يكرهه المأمومون، فقس على ذلك ما سواه. ترى ما قيمة ثلاث أشهر من الوظيفة لمن أمضى فيها العقود من السنين؟
وتأسيسا على ما تقدم، فإن المطلب الرئيسي لغالبية شعبكم في متناول أيديكم. وما استمعتم، حضرة الفريق، إلى ضعفاء الناس منكم إلا تساميتم!
حضرة الفريق،
أختم دوافعي بدافع النصيحة النابع من أخوة العقيدة. وعادة في الأوقات الصعبة، يكثر المستشارون ولكن يعز الناصحون. وإن كنت لا أملك من الحكمة ما أشير به إليكم من رأي حصد، فإنه يحدوني الأمل بأنكم ستحذرون بكل ما أوتيتم من قوة من نوع من المستشارين، دعاة الوضع الراهن، الذين، خوفا على مصائر كراسيهم، يودون ولو بصرف مليارات الدولارات إيقاف عجلة التاريخ! يكرهون الترك وما نقموا منهم إلا أنهم أرسوا دعائم ديمقراطية تمكنهم من اختيار حكامهم. ويبغضون الفرس على ولاية الفقيه لأنها تضمن لهم التعاقب على الحكم. فماذا أعدوا لنا نحن الشعوب العربية؟ أمنشار العظام لمن يغرد خارج السرب؟ أم الدموع والدماء وأشكال الخراب والدمار كما يحل قريبا من حواليكم؟
حضرة الفريق،
لا تنسوا أننا جميعا عن هذه الحياة ذاهبون. ولكن منا من يغادر محفوفا بالمجد والشرف ومنا دون ذلك.. حفظ الله الجزائر وأهلها..
مع كامل التقدير والاحترام حضرة الفريق، القائد أحمد صلاح.