في بلد "المليونيات" يدلي الكثيرون، عبر الوسائط الاجتماعية وسائل الإعلام التقليدية، بدلائهم في السياسة بمهارات العارفين ومستخدمين عبارات المنظرين فيصبغون على من يريدون، بلا توخ للدقة أو الموضوعية أو تحر للصدق، وابلا من الصفات الفريدة حتى تخال سيرهم كسير أصحابها الحقيقيين من المخضرمين أهل النظريات المعروفين والنضالات التي سجلها التاريخ في سفر الخلود بفارق خلوها من القبلية الصارخة والجهوية الطافحة والطبقية البينة من الميراث السيباتي العصي.
ولكن لا وجود، على نوافذ وعبر صفحات وبوابات مختلف الوسائط وعبر محطات إذاعات وقنوات شاشات الإعلام، للمعالجات الاجتماعية الضرورية والحقوقية الملحة والتاريخية الغائبة والأدبية الناقصة والمشوهة، وكأن البلاد - في كل الجوانب المتعلقة بمسارها العام - في غنى عن هذه المعالجات لاستقلالية فطرية مردها عبقرية استثنائية ونبوغ خارق تحمله أشعارهم وأدمغة أفذاذهم. فهل يستقيم الأمر على هذه الحال بأسلوب "الدونكيشوتية" الخرافي و البلد يشظى بسيوف الخداع الفكري و الغياب الثقافي و التيه الحقوقي و النفاق السياسي؟
معاناة الأدبعندما يكون الأدب قبليا ضيقا، وجهويا محدودا، وطبقيا محميَ "الرداءة" من النقد البناء في ثلاثية هذه القوالب، فاعلم أن هذا الأدب لا يحمل رسالة ملتزمة ولا يبني عقلية راقية بأبعاد الرشد والحكمة والرصانة والسمو والجمال والسلام.واقع ينطبق بحذافيره على ساحة "الأدب" الملطخ بـ"قلته" في بلاد التناقضات الكبرى والادعاءات الانفصامية المخلة بكل مسارات حراكه المتعثر. فكثيرة هي الاتحادات والمراقب والنوادي والمنابر الأدبية على الورق وفي المقرات المقفرة الموحشة وأفواه الطامعين بـ"المديح" و"الهجاء" المكرري النصوص منذ زمن ولى لنيل بعض فتات الحطام، ولكن لا أداء يبهر لهذه الأطر الهلامية ولا إنتاج ينطق بالالتزام أو يشف عن إبداع. فهل تُكذب المعارضُ والمكتبات والبرامج الإذاعية والمرئية والتظاهرات الحية المتجددة والمجددة هذا الواقع؟إن الذى يلقي نظرة محايدة على مسرح الحياة الثقافية الراكدة لا بد أن يصدمه هذا البيات ويؤرقه هذا التمادي في نسف هذه الحقيقة والاستغراق في السكر بحالة "الانفصام" التي لا تترك مجالا للشك في أنها أضاعت الثقافة على العموم والأدب بوجه الخصوص. فهل يظل الأدب "بغلة" محمية العاجزين عن الإبداع والوصوليين إلى المآرب الضيقة من فضلات جاه وحطام النافذين بقوة الحيف وضغط عقد النقص؟