عِناقُ الأعياص / عثمان جدو

قبل شهور من الآن بدأت الساحة السياسية تشهد حراكا سياسيا؛ بدا في الوهلة الأولى أنه حراك سياسي روتيني، شأنه في ذلك شأن كل أنواع التحضير والإحماء والاستعداد لدخول أجواء المواسم السياسية الكبيرة، لكن سرعان ما تلت ذلك أحداث كبرى ووقائع سياسية لم تكن مألوفة، بل ظلت بعد ذلك عصية الاستساغة على كثير ممن فاجأهم ظهورها، سواء كانوا ممن ضاق صدره أو اتسع لما تلى ذلك من أحداث شكلت الألوان الأساسية لرسم الخارطة السياسية على لوحة الوطن الآمن في لحظة الضياء.لقد شكل إعلان الرئيس المنتهية ولايته الثانية احترامه للدستور والتصامم عن كل تلك الأصوات التي دعت إلى التمسك به من أجل الترشح لمأمورية ثالثة، يرفضها الدستور وتغيط الشارع، وإن تظاهر بعض *المشرعين* أثناء رفعهم لها كشعار أنها هي عين الرضا وعنوان الخيار، وتحاملوا بها على الدستور لهوى في أنفسهم كي يداس المقدس ويتأزم الوضع ويسعّر المواطن ويحترق الوطن، لقد شكل موقف الرئيس الحازم في هذه القضية، بداية التأسيس لمرحلة سياسية جديدة ستكون -فيما بعد- معطياتها و أدوات التعاطي فيها غير مألوفة، بل مخالفة في مجمل مراحلها ومشاهدها لما عرف وألف من مظاهر الراديكالية والجمود والوثوقية والتقرير والتسليم.. بعد ذلك بفترة وجيزة تجلت الحقيقة التي كانت محل ترحيب واستحسان من أغلب المواطنين في الجهتين السياسيتين العريضتين -الموالاة والمعارضة-لقد شكل إعلان المرشح *محمد ولد الغزواني* ترشحه للانتخابات الرئاسية دلالة قوية على إمكانية حدوث تبادل سلمي على السلطة، فبعد إعلان رفيق دربه احترام الدستور، يؤكد إعلان ترشحه هو إظهار وتأكيد الحقيقة التي ظلت منظرة بأفق واسع وصدر رحب من قبل كثير من الموالين والمعارضين، وشكلت نذير إزعاج لقلة من الفئتين ممن راموا الهرولة في دروب متعرجة عكس السير في الدرب المخضر الذي مثلته المحجة البيضاء التي رسمها المرشح في أذهان المتلقين الذين تلقفوا خطابه بأريحية لامست شغاف القلب وأثلجت صدر كل من سكنته حرقة الوساوس ولَوْ لحين.بعد اتضاح الصورة وتمايز الحقيقة عن المجاز، تبين أن لا مرشح يدعمه النظام القائم غير المرشح الذي بات يطلق عليه في الأوساط السياسية والإعلامية، مرشح الإجماع الوطني، بعد ذلك ظهر المرشحون الآخرون في جانب المعارضة وإن كان أظهرهم من حيث الدعم والمساندة لم تعهد له معارضة ولم تذع عنه لها من ذي قبل مساندة!، عكس مرشح المعارضة الراديكالية *ولد مولود* الذي شب وشاخ وذوى في المعارضة نهجا وسلوكا ومسلكا، بالإضافة إلى *الحقوقي الثائر* وآخرين.إن ما تتميز به الساحة السياسية -حتى الآن- هو تلك التحركات الكبرى في كل الاتجاهات، وإن كانت وجهة مرشح الإجماع هي القبلة الأولى والمرضية عند من كثر عددهم وثقل وزنهم في النزال السياسي، فبعد انضمام حزب الوئام برمته إلى حزب التحاد من اجل الجمهورية الذي يدعم المرشح مبدئيا وكليا، بعد ذلك أعلنت أحزاب أخرى معارضة دعمها للمرشح، ترك حزب عادل المعارضة واصطف إلى جانب المرشح شأنه في ذلك شأن حزب التحالف الديمقراطي المعارض، بعد هذه الأحزاب التحقت بالمرشح شخصيات وازنة ومؤسسة لأحزاب من عمق المعارضة، ولإن كان القيادي من حزب تواصل الذي التحق بالمرشح حاز فضل السبق في ذلك رفقة رفيقتيه القياديتين في ذات الحزب  اللتين التحقتا به، فإنهم لم يكونوا لوحدهم في الانشقاق عن أحزابهم والانضمام لصف الداعمين لمرشح الإجماع، فلقد ظلت قوافل الوافدين تسير سيرا متصلا، ولعل قافلة الوافدين من *التكتل* بقيادة القيادي المؤسس نائب الرئيس *ولد أمات* كانت الحدث الأهم والعنوان الأبرز في هذا المجال، فلقد كان انضمام الرجل وجماعته إضافة نوعية ودفعا قويا وإرباكا لكثير من المتتبعين للشأن السياسي؛ خاصة أولئك الذين لا يرون في مرشح الإجماع إضافة أو تغييرا -وهم قلة- بقدر ما يرون فيه الامتداد والتبعية، إن هذا الانضمام بعث برسائل عميقة جدا لا يحسن قراءتها إلا من ألفوا الوعي السياسي بعمق، واستنارت بصيرتهم السياسية بالتجارب الراسخة للقامات النضالية السامقة، وشربوا من معين التضحية والثحرك وفقا للمبادئ، ونداء الضمير.   إن تلاقي قامات من المعارضة من حجم ولد أمات وجماعته مع نظيراتها من الموالاة من أمثال مرشح الإجماع ومن التف حوله باكرا؛ يشكل عناق الأعياص، وسواء كان العيص هو منبت خيار الأشجار، أو هو الشجر الكثير الملتف، أو هو الأصل.. فإن هذا العناق رسم صورة بهية، خضرة نضرة، مزهرة مثمرة.

23. أبريل 2019 - 2:56

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا