بدا الزحف نحو التعددية مبكرا فى الاوساط السياسيةولكن خصمه العنيد لم يلبث ان غزاه فكادت المطامح التعددية تتحول الى افواج عشائرية .
ويبدو الامر غير معزول عن دور الجهاز الامني الوليد بإرادة استعمارية لا ترى فى التعددية المنبعثة من ارادة رادكالية نسجتها الثورات اليسارية - جزائرية - مصرية وغيرها - ما يرضى نهمها السياسى !
من هنا حل الارتباك ! ليس فقط فى رُؤية القائمين على السلطة ممثلين فى المختار داداه ورفاقه بل حتى عند خصومهم السياسيين فكان هذا التوجس من غزو العشائرية للأفكار السياسية العصرية أحد الاسباب الباعثة على الإندماج السياسي الاول 1964 والذى بمقتضاه التأمت الاحزاب فى حزب واحد هو حزب الشعب . وحسب السيدة مريم داداه -فى مقابلة لي معها - فلم يكن من ذلك بُدٌّ في بلد يفتقد إلى المؤسسات الضامنة للبقاء - الجيش والعدالة- ومن هنا بدا التفكير فى بناء مؤسسة عسكرية لم يجد القادة السياسيون فى ذلك الوقت حرجا فى التاسيس لها اعتمادا على من كانو يخدمون فى الجيش الفرنسي . واتبعو تقليدا متبعا فى ذلك الوقت لدى الفرنسيين وهو الاعتماد على ابناء النبلاء من المجتمع فى قيادة المؤسسة العسكرية من العرب والزنوج على حد سواء حيث لم يكن التوجس من الصراع الاتنى حاضرا حينها نظرا لمتانة العلاقة بين المجتمع الفوتى والبيضاني فيما يتعلق بالفوتيين وكذلك بين السوننكى والبيضان حيث تنعدم جذور الصراع فقد كان من اوائل الضابط زنوجا منهم الرائد ديالو( DIALO )ممن كانو فى الجيش الفرنسي .
كما بدات محاربة العشائرية مبكرا خاصة على مستوى الرئيس المختار ولد داده ووزير دفاعه محمد ولد الشيخ ولد احمد محمود .فقد اكتتبوا اول دفعة للضباط من غير محيطهم الاجتماعي حيث انتقوا اربعة معلمين ليكون ضباطا شكل بعضهم فيما بعد قادة العاشر يوليو ولواحقه هم :
المصطفى ولد محمد السالك ،أحمدو ولد عبد الله ، فياه ولد المعيوف ، حمود ولد الناجى.
فالاندماج الحزبى الاول كان نتيجة للتوجس من العشائرية ولم يكن تحت ضغط المؤسسة العسكرية التى لما تبلغ الفطام بعد ..
ولكن مع تنامى الحركات الرادكالية - الكادحون الناصريون البعثيون - ضاق الوعاء الحزبى على التناقضات القائمة بين الجيل الماسك للسلطة والخارج لتوه من رحم التجربة الليبرالية الفرنسية و المتشبع ايضا بالثقافة المحظرية ، وبين جيل تغذية الطموحات المنبعثة من التعلق بالمعسكر الشيوعى . مما غذى صراعا مدنيا على السلطة.. جعل المختار ورفاقه يسارعون فى ما يرون انه الحل الأمثل وهو دخول الجامعة العربية والاسراع بخطوات التعريب تلبية لما يصبو إليه القوميون .
ثم تاميم المناجم تلبية لمطامح الكادحين وهى امور تشكل محل إجماع وطنى فى ذلك الوقت إذ ليست معالجتها كسبا لود الخصوم فقط بقدرما هي أيضا مطمح وطنى بالكامل . لكن لايبدو انها كانت محل رضى الفرنسيين الذين مالبثو ان ارسلو إلى المختار خطابا معدا يطلبون إلقاءه فى مناسبة رسمية الامر الذى رفضه المختار فكان إحدى النقاط التى ربما على اساسها انبنى العاشر يوليو، مع ماللهروب من حرب الصحراء من تاثير على مسار ذلك الانقلاب الذى لم يات ضد ديمقراطية معدَمة أصلا ! ولامن اجل أخرى لاتشكل مطمحا لاعند الحرس القديم الذى يراها مطية للغزو العشائري للمدنية المتعثرة . ولا عند طلائع الرادكاليين المتأثرين بتكتلات دولية تحكم بمنطق غير التعددية ..
فلا العاشر يوليو ولواحقه عملً من اجل الديمقراطية ولاهو عدوان عليها وهو فى نظرى اجراء تاديبى قامت به جهة ضد من كان يفترض انه حليف وشق عصا الطاعة . ذلك فى بُعده الخارجى وداخليا هو تخلٍ عن حرب قادها ضباط حديثو العهد بالمفهوم الجمعوى خرجوا لتوهم من جلباب القبيلة وليس لهم من تجربة وطن جامع مايكفى لتحمل تبعات حرب توحيدية . قد نعدها أكبر من طموحاتهم .بالإضافة إلى أن اختيار القادة أصلا من رحم مؤسسة استعمارية واتباع التقاليد الفرنسية فيما يتعلق بالانتقائية الطبقية فى مجتمع غير قبلى مثل فرنسا يتناقض مع خصوصيتنا كمجتمع قبلى.. الامر الذى سيكون له فيما بعد أشد التأثير على هذه المؤسسة الوليدة من حيث التناطح القبلى الذى يدمر العقيدة العسكرية من أساسها . فكان هذا التناطح بالإضافة الى صراع الولاءات الاقليمية أحدأسباب تمرد 16 مارس الذى انتجته - بالاضافة الى التناطح بين الامارات التقليدية - عدة عوامل أهمها غياب إرادة فكرية تؤطر للعمل السياسى بعد تغييب المؤسسين مثل الرئيس المختار وبكار ولد احمدو مؤلف كتاب اضواء على موريتانيا الذى ساهم كثيرا فى التنظير للسياسة الموريتانية واحمد باب مسكه ومحمد ولد الشيخ وزير الدفاع الاسبق الذى هو ابرز مؤسسي الجيش ..وغيرهم .هذا التغييب للمؤسسين من موالين للمختار داداه ومعارضين له فى حين تم اقصاء السياسيون الجدد من ناصريين وكادحين وبعثيين بل أودعوا السجون وعذبوا الى حد القتل كما حدث فى انتفاضة 1984 الناصريةالتى شكلت مع ما سبقها من اعتقالات وإقصاء لكل القوى السياسيةارضية ملائمة لواقع جعل السياسة الموريتانية تترنح تحت وطأة انسداد سياسي أهم ملامحه تصاعد نمو الحركات الرادكالية واصرار فرنسا على وضع اليد أكثر على موريتانيا مما شكل ارضية ملائمة لانقلاب 12/12/1984 الذى جعل من البلاد ساحة لصراع عدة قوى : ليس صندوق النقد الدولى أقلها اهمية ! ولا كذلك كان الفكر القبلى التصادمى شيئا ما.. بمنأى عنها !
وهذان الاتجاهان هما الذان شكلا ملامح نظام الحزب الجمهورى الذى هو فى نسقه العام تحالف مصلحى بين الرجعيين بشقيهما صندوق النقد والفكر العشائرى. والقوميين ، والكادحين متطلعين إلى القبول بماتمليه مصلحة فرنسا وأقل مايسعى اليه القوميون من مكاسب سياسية والخاسر الوحيد فى هذا المسار هو المؤسسة العسكرية نظرا لتناقضها فى ثوبها القبلى مع عقيدة أي جيش جمهوري عموما فقد كان نشر ثقافة الولاءات القبلية هو طابع المرحلة التى كانت وبالا على المؤسسة العسكرية على جميع المستويات فضاعت سمعتها نظرا لتَسترِ الخبثاء من المسؤولين " المدنيين " تحت ستار الحكم العسكرى فتم العبث بأملاك الدولة تحت عنوان الحكم العسكرى . كما تعرضت -أي- المؤسسة العسكرية لعدة تصادمات نتيجة لنشر الثقافة العشائرية المتناقضة مع العقيدة العسكرية تتمثل فى تمرد الثامن يونيو 2003 وعانت من الحرمان الاقتصادى الذى عاناه غيرها ايضا اثر الاتفاقيات المجحفة ومصادرة أملاك الدولة..والحقيقة انها صودرت لصالح تجار تربطهم أحيانا علاقة قبلية بالرئيس وكان ذلك لمصلحة الهيئات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولى التى جلب من رحم الدولة الموريتانية وزراء مالية ورؤساء وزراء رعوا مصالحه عن طريق تلك الاتفاقيات سواء فى حقبة تسعينيات القرن الماضى حيث تعاقب على قطاع المالية ولد ببكر ولمرابط سيد محمود او فى الحقبة الحالية حيث ولد اجاى. فلا احد يتنبأ بما ستؤول اليه الامور اذا تواصلت هذه الازدواجية : مدنيون ينفردون بتسيير الاقتصاد الذى هو احد اهم دعائم الديمقراطية .. وتوصيف يكاد يكون محل اجماع بانفراد المؤسسة العسكرية بالشأن السياسى فى حين لايوجد عسكري اشترى أو باع مرفقا عمومي. الكل هو بيد "مدنيين "مفترسين وليس للجيش إلا مضمون المثل الشعبى (الذيب الِّ مظنون اعليه الشبعَ هو ماه جابر شِ) ولايمكن ان يتواصل هذا السب والشتم للمؤسسة العسكرية . والا فلم يعد بامكان المواطنين الولوج الى هذا السلك الذى هو الضامن للديمقراطية !
فليجلس وزراء المالية على الحدود الموريتانية العريضة لبعض الوقت ! وليحاسب كل من شغل منصب وزير المالية ابتداءا من تاريخ الاتفاقيات مع صندوق النقد الدولى أواخر تسعينيات القرن الماضى.
وليكن من بين الحكومة وزير مالية او وزير اقتصاد عسكري لنقطع الشك باليقين حول من يستنزف خيراتنا .