الأحصنة الخشبية..!! / سيدي محمد ولد ابه

سيدي محمد ولد ابهفي جديد نضال منسقية المعارضة "الديمقراطية" أنها توعدت خلال مسيرتها الأخيرة المثيرة للشفقة بتصعيد "النضال" والتلويح باستخدام "القوة" خلال المراحل اللاحقة من "نضالها السلمي" سبيلا للوصول إلى الكرسي الذي أعيى بعضها الوصول إليه، وفشل بعضها الآخر في الاحتفاظ به..

ربما كان التصعيد اللفظي في الخطاب المعارض ردة فعل متوقعة على حالة الإحباط واليأس التي سيطرت على المشاركين في مسيرة ومهرجان الـ18 يوليو على قلتهم- وهو بالمناسبة تاريخ هزيمتهم جميعا في رئاسيات 2009- فخلال هذه التظاهرة التي أريد لها أن تكون خطوة جديدة في مسار النضال "السلمي"، عاد الخطاب السياسي للمعارضة إلى الخلف 10 خطوات، تناسبا مع تراجع المشاركين في أنشطة المنسقية، فكلما تراجع مستوى الحضور الشعبي، تراجع الخطاب السياسي، المتدني أصلا.. تلك ملاحظة لا تخطئها عيون وآذان المراقبين..
المفارقة أن من يتوعدون باستخدام القوة اليوم، كانوا اشبه بفأر مذعور يوم خرجوا لـ"الجهاد" ضد نظام ولد عبد العزيز في الـ12 من مارس 2012، فما الذي تغير  اليوم؟ وهل تكفي الأشهر الأربعة التي انقضت على واقعة الخندمة في ساحة ابن عباس لإعادة تأهيل الفئران المذعورة لتلعب دور الآساد الضراغم؟
لست أدرى لكن طبيعة الكون تقتضي أن يظل الفأر فأرا، حتى وإن جزمنا – مجازا- بصحة نظرية داروين القائلة بمنطق النشؤوء والتطور، فهناك بعض المخلوقات لا تستطيع مواكبة هذا التطور ولو عمرت مليون سنة..
خلال مسيرة "النضال السلمي" هذه لم تفوت المعارضة أي فرصة دون أن تستغلها بالطريقة التي تراها مناسبة، ولأن قادة هذه الفصيل السياسي أعجز عن تقديم التضحيات، فقد استعاروا من الفطريات طريقتها في الحياة، والتي تتمثل في العيش على حساب الآخر.. أي آخر.. فقد لاحظنا جميعا كيف حاولت المنسقية قبل أشهر استغلال أحداث المعهد، ولاتلمس جنسيتي، وإضراب الجامعة، وعملت ما وسعها ذلك لركوب موجة الاضطرابات التي لم يكن لها الفضل في إحداثها.
وبعد أن أغلقت ملفات الجامعة والمعهد، جاء الدور على واقعة إقالة رئيس المحكمة العليا، حين هللوا لتصريحات ولد الغيلاني، وطفقوا بخبرائهم القانونيين يسوقون الحجج واحدة بعد أخرى، لكن ولد الغيلا وجه- دون أن يشعر- ضربة مؤلمة لهؤلاء بإعلانه الاستقالة..
آخر مسلسل الاتجار بمشاعر وآلالم وتضحيات الآخرين، كانت مع قضية ولد المشظوفي الذي قتل في مواجهات بين قوى الأمن وعدد من العمال المعتصمين في مدينة أكجوجت.. ساعة بدء الاعتصام لم تكن هناك لافتتة للمنسقية، وساعة فضه بالقوة لم تكن هناك دعوات للرحيل، وساعة مقتل الرجل لم يكن هناك طبيب للمنسقية..
وبعد أن حمل النعش في اتجاه العاصمة لتشريحه خرجت الفئران من جحورها، وامتلأت المواقع بالتصريحات المنددة والشاجبة والمستنكرة والداعية للرحيل، وحرضوا أسرة القتيل على عدم العفو عن القتلة، ورفض قبول الدية، والسير قدما في طريق التصعيد، وكأنهم يريدون من أخت الرجل وأمه الخروج للشارع بأحزمة ناسفة وتفجيرها داخل أقرب مبنى حكومي أو ثكنة عسكرية.. خلال مهرجان الأربعاء طالب أحدهم بقراءة "الفاتحة على روح الشهيد محمد ولد المشظوفي"  الذي لم يمت في سبيل الرحيل، ولم يكن عضوا في المنسقية، وربما لم يسمع بها من قبل.. لكنها ببساطة أفضل الطرق لاستغلال المآسي وتضحيات الآخرين، وتحويلها إلى مكاسب سياسية..
وقد بات من شبه المؤكد أن المعارضة الموريتانية وبعد هذه الأشهر الطويلة من "النضال" اكتسبت خبرة تحسد عليها، حين أخذت من الطحالب والفطريات طريقتها في الحياة على حساب الآخر، ومن الفئران فرارها من المواجهة، ومن الأحصنة الخشبية خيولا عاديات على مسار رحيل مليئ بالأشواك والعراقيل..

19. يوليو 2012 - 12:51

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا