هذه رسالة مفتوحة ليست موجهة إلى عنوان واحد كما هو حال الرسائل المفتوحة السابقة، بل هي رسالة موجهة إلى مليون عنوان، يزيد قليلا أو ينقص قليلا، وهي لن تكون أقل صراحة ولا أكثر مجاملة من الرسائل السابقة، وذلك على الرغم من أنها ـ هذه المرة ـ ليست موجهة لا إلى رئيس ولا إلى وزير ولا إلي مدير.هذه رسالة موجهة إلي المواطن العادي الذي كنت أكتب دوما باسمه والذي أجدني اليوم ملزما بأن أكتب إليه.أكتب إليه لأقول له علي السريع، وبالمختصر المفيد : لا يمكن لقطيع من الأرانب أن ينتخب أسدا يقوده، كما أنه لا يمكن لقطيع من الأسود أن يقبل بأرنب يقوده."كما تكونوا يولى عليكم".فإذا كان الشعب الموريتاني قد أصبح ناضجا و مؤهلا لأن يعيش حياة كريمة فإنه سيختار بالتأكيد من سيوفر له تلك الحياة الكريمة، أما إذا كان هذا الشعب لم يزل يقبل بأن يكون مجرد قطيع من الأرانب أو قطيعا من الغنم فهو لن يختار يوم الثامن عشر إلا من سيذله ويظلمه وينهب ثرواته الطائلة ويزيده جوعا وعطشا ومرضا وجهلا.فهل سيكون الشعب الموريتاني أهلا لحياة كريمة ؟ وهل ستكون السنوات الخمس القادمة أسوأ من الخمسين سنة التي سبقتها أم أنها ستكون بداية لمرحلة جديدة من الرقي والتقدم ؟ذلك سؤال لا يستطيع أن يجيب عليه إلا الشعب الموريتاني من خلال صناديق الاقتراع في يوم الثامن عشر من يوليو، ذلكم اليوم الذي سيكون له ما بعده كما كان له ما قبله.قديما قالوا: "الطيور علي أشكالها تقع"، وحديثا يجوز لنا أن نقول : الشعوب لأشكالها تنتخب! لحظات قصيرة جدا سيقضيها الناخب خلف الستار في مكاتب التصويت ستحدد مصير بلد بكامله، ولمأمورية كاملة، إذا لم تعرف تلك المأمورية فاصلا انقلابيا يقطعها. فهناك إذا فرصة ثمينة سيمنحها التاريخ للشعب الموريتاني يوم الثامن عشر، والتاريخ ـ وكما هو معروف ـ بخيل في منح الفرص، فهل سيستغل الشعب الموريتاني تلك الفرصة أم سيضيعها ؟الشيء الوحيد الذي يجعلنا نتفاءل هو ما خلفته تلك الأيام العصيبة التي عاشها الشعب الموريتاني خلال الأشهر الماضية، والتي لابد أن يكون قد تعلم منها شيئا ما.هناك أشياء لا يمكن للناس أن يتعلموها إلا من خلال الأزمات، ولكل أزمة وجهها المضيء، وحديثا قالوا شيئا لا يختلف كثيرا عن هذا.سيختار المواطن الموريتاني رئيسه وهو ـ أي المواطن ـ سيكون في كل الأحوال مسؤولا و شريكا في كل ما سيحدث في السنوات الخمس القادمة. فإن عرفت البلاد تنمية فسيكون الفضل في ذلك راجعا إلي الناخب الذي كان جادا في اختياره، وإن عرفت البلاد مزيدا من البؤس والتخلف والضياع فلا يلومن الشعب الموريتاني إلا نفسه لأنه كان هو السبب في ذلك، نظرا لعدم تحمله لمسؤوليته ونظرا لعدم التزامه بواجبه الوطني. وإذا كانت تلك اللحظة القصيرة التي سيقضيها الناخب خلف الستار سيؤثر فيها المال أو القبيلة أو الجهة أو الايدولوجيا أو العاطفة أو المجاملة فذلك يعني أننا مقبلون على سنوات خمس عجاف، سنوات من التيه والضياع سيكون الخاسر الأكبر فيها هو الشعب الموريتاني.قديما قالوا “الصيف ضيعت اللبن"، وحتى لا تتحول الخمس سنوات القادمة إلى صيف طويل، فلا تضيعوا أصواتكم في يوم الاقتراع. إن أصواتكم لن تضيع إذا ما كان خياركم نابعا من القناعة والضمير، لا يشوبه المال السياسي، ولا توجهه القبيلة ولا الجهة، ولا تتحكم فيه العاطفة، ولا يطبعه عدم الاكتراث فوقتها سيكون من حقنا أن نتفاءل كثيرا وأن ننظر إلى المستقبل بثقة واطمئنان. قد يكون من الطبيعي جدا أن يجتهد بعضنا ويخطئ في اختياره، لا مشكلة هناك، لكن المشكلة تكمن فيمن يمنح صوته ويعطي اختياره لمن يعلم مسبقا بأنه ليس أهلا لتلك الثقة، ذلكم هو الثقب الذي قد يغرق السفينة بكاملها.وإذا كان يشرع للمواطن العادي ـ فيما مضي ـ أن يتنصل من كل مسؤولية، وأن يحمل الرؤساء كل الإخفاقات والانتكاسات التي شهدتها البلاد، فإنه اليوم لم يعد مقبولا من هذا المواطن أن يتهرب وبشكل كامل من تلك الإخفاقات، وذلك لأنه يتحمل جزءا كبيرا من حصولها. فلا يجوز للمواطن الذي يرتكب حماقة كبرى أثناء تأديته لواجبه الانتخابي، أن ينتقد مستقبلا السلطات القادمة لارتكابها حماقات أكبر أثناء ممارستها لمأموريتها الانتخابية، فهذه الحماقة بتلك والبادئ أشد حمقا، قديما قالوا شيئا كهذا.كما أنه لا يجوز للمواطن أن يلعن الديمقراطية لأنها لم تطعمه من جوع أو تؤمنه من خوف في الوقت الذي يتجاهل فيه أن الديمقراطية هي منظومة متكاملة لا تعمل بشكل طبيعي إلا إذا استغل فيها كل طرف الفرص التي تتيحها له تلك المنظومة. لن تأتى الانتخابات القادمة بشيء جديد إذا لم يستطع الناخب أن يستغل الفرصة الثمينة التي قد لا تتكرر قبل خمس سنوات، وهي الفرصة التي ستتاح له يوم الثامن عشر من يوليو.يوم واحد سيحدد شكل وطبيعة 1825 يوما قادما، ولحظة قصيرة جدا سيقضيها الناخب خلف الستار ستؤثر وبشكل قوي على حياة ما يزيد علي ثلاثة ملايين من الموريتانيين ولمدة 43800 ساعة قادمة. المخطئ حقا هو من سيضيع تلك اللحظة الفريدة والتي لا بد أن تترك بصمة ايجابية أو سلبية علي حياة الناخب نفسه، وعلي حياة أبنائه، بل وحياة الأجيال القادمة من أحفاده،وحتى لا نضيع تلك اللحظة الفريدة جاءت هذه الرسالة المفتوحة لتحاول أن تتحدث عن خمسة من المترشحين لرئاسيات 2009 وتعرض عن خمسة. وقبل أن نضع خمسة من هؤلاء المترشحين علي الميزان لا بد هنا من أن أسجل الملاحظات التالية: 1ـ لن أكتم خصلة أعرفها في أي مترشح، كما أني لن أكتم سيئة من سيئاته، وإذا حدث أن غابت خصلة أو غابت بعض السيئات، فالسبب في ذلك يعود إلى جهلي و إلى عدم اطلاعي على تلك السيئة أو الخصلة، أو لدافع الاختصار، أو لأنها وببساطة قد غابت عني أثناء كتابة هذه الرسالة، وما أستطيع أن أؤكده هنا للقارئ هو أني لن أكتم أي حسنة أو أي سيئة، لا لأسباب شخصية، أو سياسية، أو جهوية أو..أو. 2 ـ الهدف من هذه الرسالة المفتوحة هو إثارة حوار جدي وذاتي لدى الناخب نفسه، عسى أن يساعد ذلك في رسم صور أكثر وضوحا للمتنافسين الخمسة على رئاسة موريتانيا. فالهدف من هذه الرسالة المفتوحة ليس تزكية هذا المرشح أو ذاك، وإنما هو تقديم نقاط قوة وضعف كل مترشح للناخب، وذلك لكي يستأنس بها الناخب مما قد يساعده في النهاية إلى الخروج بقرار سليم، وبتصويت يصب في مصلحته وفي مصلحة بلده. لقد تم ترتيب المترشحين هنا اعتمادا على الأسبقية في الترشح. 3 ـ
ــــــــ
*هذا المقال تم نشره يوم 13 يوليو 2009، والمترشحون الخمسة الذين تم وضعهم حينها على الميزان هم وحسب ترتيب الترشح والذي تم احترامه في المقال : محمد ولد عبد العزيز؛ أحمد داداه؛ جميل منصور؛ أعل ولد محمد فال رحمه الله؛ ومسعود ولد بلخير.
هناك من يريدني أن أكرر التجربة ذاتها مع مرشحي رئاسيات 2019، ولكني لم أتحمس لذلك لعلمي بأن تكرار التجربة يحتاج إلى الكثير من الموضوعية وإلى صرامة وجرأة قد لا أمتلكهما في أيامنا هذه.
حفظ الله موريتانيا..
محمد الأمين ولد الفاضل