للعهد عندي معنى ... كلمة حق يراد بها حق
عندما كنت أتابع خطاب المترشح محمد ولد الشيخ محمد احمد ولد الغزواني أمام موظفي قطاع الصحة عادت إلى ذهني هذه الكلمة في خطاب الترشح حيث أثارت انتباه المتابعين والرأي العام.في المشهد الحافل بأطر قطاع الصحة تحدث المترشح محمد ولد الشيخ محمد احمد ولد الغزواني بلغة فيها الكثير من التواضع، لكن فيها الكثير من الصدق واحترام الذات. في العادة يطلق المترشحون الوعود الانتخابية جزافا ويغدقون من الكلام المعسول على المخاطبين وحين يكون المخاطبون أطرا، وكفاءات يسيل لعاب كل مترشح، وتأتي الوعود بلا حساب.
ولكن المترشح غزواني اختار طريقا غير الطريق التقليدية لخطاب عواطف الناس، وفضل مخاطبة العقول، حتى ولو بدى الكلام غير دعائي للوهلة الأولى، فإن نبرة الصدق فيه والإحساس بالمسؤولية، واحترام عقول المخاطبين، تجعل منه قمة الدعاية، وتجعل منه قمة الإغداق في الوعود، لسبب واحد وهو أن الصدق طبع الكلمة من أولها إلى آخرها.
لقد اختار غزواني أن يقول للمخاطبين إنه سيتعامل مع المطالب التي طرحوا والرؤية التي قدموا في حال فوزه بمنطق رجل الدولة، ويعمل على تحقيق ما يمكن تحقيقه منها، وقبل ذلك سيدخل منها ما يعتقد أنه يمكنه تحقيقه في برنامجه الانتخابي.
قال وكرر القول إنه سيعمل على تحقيق الجزء المضمن في برنامجه الانتخابي بسواعد أطر القطاع الذين حضروا. إن هذا الحديث يذكر بكلمة الرجل "للعهد عندي معنى" فأنا قبل أن أعاهد أو أعد أفكر فيما يمكن أن يتحقق على يدي مما سأعد به، فإعطاء الكلمة عندي مرهون بالطاقة المحدودة، مرهون بما ستسمح لي الظروف بتحقيقه من الوعود التي عليّ تقديمها.
معنى العهد إذن هو أنه غدا سيكون دينا في عنقي سيسألني الناس عنه، وسيسألني ضميري وسيسألني التاريخ، لذلك عليّ سؤال نفسي أولا: هل يمكنك فعلا الوفاء بهذا العهد يا محمد؟ هل ستمكن إمكانيات الدولة في حال نجحت رئيسا من تحقيق هذه المطالب؟
تحقق قبل أن تدلي بالوعد أن بإمكانك الوفاء؛ بأن الإمكانيات تخولك ذلك، وبأن الظروف الزمانية والمكانية ستسمح لك بالوفاء بوعدك. إذا تأكدت من كل ذلك فما أسهل أن تطلق الوعد تلو الوعد، وأنت مرتاح الضمير هانئ البال، وإذا شككت أو تأكدت أنك لن تستطيع الوفاء فلا تطلق الوعد.تقول الأدبيات السياسية التقليدية إن كذب الحملات الانتخابية يعد كذبا أبيض، وإن الساذجين من الناخبين فقط هم من يصدق وعود الساسة، ورغم أن هذه القاعدة لا تمت لمبادئ الإسلام بصلة، ولا تحترم قواعد الأخلاق الإنسانية العامة لما تنطوي عليه من نية الغش والخداع، رغم ذلك، فهي لم تعد مجدية في عالم اليوم لأن الحديث العادي تتم أرشفته يوميا، ويمكن استعادته بضغطة زر في أي وقت، وفي أي مكان من العالم. لم تعد مجدية كذلك لأن الوعي يتوسع يوميا وينتشر في كل الطبقات الاجتماعية صانعا طبقة من المراقبين منبثقة في كل طبقات المجتمع تبث الوعي وتفضح زيف الأقاويل التي يتدثر بها المغدقون في الوعود.
لقد كان الوعد في السياسة وفق قاعدة "الكذب الأبيض" هذه "كلمة باطل يراد بها باطل"، ولكن الوعد في لغة المترشح محمد ولد الشيخ محمد احمد ولد الغزواني "كلمة حق يراد بها حق". لقد دأب الساسة على إطلاق الوعود التي يعرفون عند التلفظ بها أنها مجرد وعود لا صلة لها بالواقع، وبالتالي فهي كلمة باطل يعتقد صاحبها عند قولها أنْ لا أثر لها في نفسه، وأنه يعتقد خلافها، وهي بالتالي كلمة باطل. كما أنها لن تنتج أي أثر في الواقع، وبالتالي فالمراد بها باطل.
إن هذه الصورة معكوسة في خطاب المترشح غزواني؛ فالكلمة حين تخرج من فيه ذات معنى يقصد بحروفها، ويعتقد صاحبها أنه مسؤول عن تحقيقها، وهي غدا عند التنفيذ مشروع يؤسس، أو مصروفات تصرف، وهي بالتالي حقيقة مرادة لذاتها مقصودة بحروفها.إن هذا التفكيك يفهمنا قولة المترشح في خطابه الأول "وللعهد عندي معنى" إنه معنى عند التوقيع على العهد شفهيا أو كتابة، في ملأ من الناس، أو بين الإنسان ونفسه، هو معنى متحقق في نفس المتحدث، وهو معنى عند التنفيذ، وعند مرحلة الإنجاز، معنى متحقق على أرض الواقع، ولهذا يكون المنعى مؤكدا راسخا.