خلوت إلى نفسي ذات ليلة في بادية إينشيري ، و كان الناس حديثي عهد بخطاب المرشح غزواني ، و كان له في نفوس اغلبهم وقع جيد و أثر حسن، و كنت أحدث نفسي بمقابلة المرشح ، فنثرت كنانة علاقاتي ( المتبركه حته) ، و أخذت أعجم سهامها واحدا بعد الآخر، عسى أن يكون من بينها فائز، فبينما أنا كذلك إذا برجل طويل نحيف يلقي علي السلام
فقلت من أنت؟ بعد أن رددت عليه السلام
فأجابني : أنا حرقوف
قلت: و ماحرقوف؟!
فقال: - كأنك لم تعرفني- أنا حرقوف بن قارح بن الأحقب سابع السبعة
- وخيرت وخيرت... ماجاء بك في هذه الساعة؟!
- جئتك من سبأ بنبإ يقين
-مالي و لسبأ؟!
- أقصد أني جئتك من عند المرشح بالمقصود
- فاعتدلت في جلستي و قلت هات ما عندك
فاخرج حرقوف رق غزال قديم مطوي فحل رباطه فانتثر منه بعض الرماد ثم أخذ يقرأ:
بسم الله الرحمن الرحيم
العهدة الغزوانية
هذا ماعاهد عليه عبدالله محمد بن الشيخ محمد احمد بن الغزواني-المرشح لولاية الأمر- أهل شنقيط:
-أن لا غدر و لا نكث و لا حنث ، و أن الأمر شورى بين الناس و أن ولاية الأمر دولة بينهم ، و أنهم في ذلك سواء لايقعد بهم عن الترشح لها ضعة نسب و لا قلة حسب و لا يدنيهم منها شرف و لا نشب، إلا ماكان من شروط ولاية الأمر فإنه لا بد من مراعاتها؛
-و أن عليه العهد أن لا يدعو لمأمورية ثالثة و لا يدعى له بها و من نكث فإنما ينكث على نفسه؛
-و أن العدل أساس الملك، و أن لا سلطان له على القضاة ، و أن عليه الإمتثال لما قضوا، و أن الأمة يد واحدة على من شذ، و من شذ شذ به في النار؛
-و أن ولي الأمر مستخلف في أمر الأمة و مالها ، و أن عليه العمل فيه بالمعروف، و ليس له أن يصرف منه درهما و لا دينارا إلا في وجه من وجوه الصرف المشروعة ، كالتعليم و إقامة العدل و علاج المرضى و تجنيد الأجناد و دفع الأرزاق...، و ليس له أن يرهق الناس بالمكوس و الأعشار و الخراج ...، و لا أن يكلفهم ما لا يطيقون و عليه أن يفرض من بيت المال للفقراء و المساكين و المحتاجين...، لا غش في ذلك و لا غل، و من يغلل يأت بما غل يوم القيامة؛
-و أن عليه العهد أن يصلح بين أهل القطر و أن يشيع بينهم الألفة و المحبة و السلام، و أنهم سواسية تتكافأ دماؤهم و أعراضهم و أن لا فضل لأبيض على أحمر و لا لأحمر على أسود إلا بالتقوى، و المرجع إلى الله و هو العليم بذات الصدور؛
-و أنه مهما يصلح فلن يعزل عن عمله قبل انقضاء أجله
-و أن الأمة - أنصارا و مهاجرين، و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين- يد واحدة على من خالف ما في هذه الصحيفة؛
و أوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا. صدق الله العظيم
و كتب حرقوف بن قارح بن الأحقب سابع السبعة بأرارش من أعمال بلدة اللويبدة، غرة شعبان عام أربعين و و أربع مائة و ألف من هجرة الرسول عليه أفضل الصلاة و التسليم.
-ويحك يا حرقوف ألم تذكرني عند المرشح، قال: لا، فلما رأى الشر في وجهي، صاح صيحة عظيمة ثم اختفى، فانتبهت مذعورا، و قد وعيت في قلبي العهدة الغزوانية كما رواها حرقوف