لما ذا غزواني؟ / محمد ولد الكوري ولد الشين

يطرح كثير من المتابعين للشأن الوطني هذا السؤال بصيغ مختلفة ومن زوايا متعددة. ولا شك أن كثيرا منهم يطرحونه بسبب الشفقة على البلد وعلى الرجل وعلى تاريخه المهني والوظيفي. ويطرحه بعضهم بدافع المنافسة ومن زاوية التشكيك في قدرات الرجل، وربما باستخدام خلفيته العسكرية باعتبارها مناقضة لمشروع الدولة المدنية.

ولكن الإجابة الواعية عن هذا السؤال تحول شفقة المشفقين إلى اعتزاز وقناعة دافعة للعمل، وتحول تشكيك المشككين إلى أداة لاستثارة الميزات الإيجابية التي يتمتع بها الرجل، والتي أكسبته إياها سنوات الخبرة في أهم مؤسسة وطنية، وأكثر مؤسسة تنظيما، وحيوية، وتخريجا لأجيال الوطنيين الشرفاء.

 وذلك على حد قول الشاعر: 

وإذا أراد الله نشر فضيلة **** طويت أتاح لها لسان حسود

وفيما يلي محاولة متواضعة للمساهمة في إجابة هذا السؤال الوطني الكبير، الذي أصبح اليوم مشغلة الساحة الوطنية، بكل اتجاهاتها، واهتماماتها.

 

رجل المرحلة

من المعروف أن التجارب التي ما زالت في طور التشكل تحتاج الكثير من التعقل والصبر والهدوء وتحتاج أكثر إلى من واكبها من بداياتها الأولى. ولا شك أن التجربة الديمقراطية الجديدة في بلادنا بدأت مع إزاحة الرئيس السابق معاوية ولد سيدي أحمد ولد الطايع، وشهدت هزة عنيفة بإزاحة الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله.

ولا شك كذلك أن المرشح محمد ولد الشيخ محمد أحمد ولد الغزواني كان شاهدا على ميلاد التجربة من جديد، وواكب كل الهزات والأحداث من موقع المشارك الفاعل والمتحمل للمسؤولية الوطنية فيها من موقع حساس.

وقد مكنت هذه التجربة الرجل من فهم الميكانيزمات التي تحرك المشهد الوطني والأخطار المحدقة به، كما تمكن من معرفة الطرق الصحيحة لتسيير المراحل الحساسة.

إضافة إلى الخبرة القريبة، والعميقة من الملفات الحساسة طيلة الفترة المنصرمة من عمر التجربة هناك الحاجة إلى اطمئنان الأجهزة التي سهرت على صياغة هذه التجربة فيمن يقودها في مراحلها الحساسة. إن هذه الثقة تضمن شيئين لا غنى عنهما للتجربة حتى يصلب عودها وتنضج تجربتها، فهي من جهة تضمن استمرار هذه المؤسسات في دعم التجربة وحمايتها ورعايتها وإمدادها بالقوة الضرورية كلما دخلت مختنقا أو منعرجا خطيرا. وهي من ناحية أخرى ضمان رئيسي لشعور هذه المؤسسة بالأمان على المشروع الذي رعت عند التأسيس. وهناك تخوفات من أن يرتد على مكانتها أو يخلق تأثيرات جانبية تجعلها غير مقتنعة به أو يقنعها بالتراجع عن دعمه.

 

استمرا النظام

إن الحاجة ماسة في مثل هذه الحالة إلى استمرار النظام القائم مع التجديد فيه ما أمكن وإضافة تحديثات تجعل من يراه يعتقد أنه نظام جديد وأنه تغير بالكلية. وهذا ما يطلق عليه في الأدبيات السياسية والاجتماعية بالتجديد في ظل الاستقرار. إن النسخة الجديدة من النظام ستكون خلقا جديدا بالمقارنة مع النسخة الحالية نظرا للتغيرات التي طرأت على العقليات والظروف المحيطة بموريتانيا وبالإقليم والتي شهدت تغيرات دراماتيكية بالمقارنة مع الحالة التي كنا فيها سنة 2005، سواء على مستوى الوعي أو على مستوى المقدرات الاقتصادية أو على مستوى التغيرات السياسية والأمنية التي شهدتها المنطقة والعالم.

 

الماضي المعروف

لا يمكن أن تمر الإجابة على السؤال المطروح من دون الحديث عن ماضي الرجل التسييري. لقد تولى محمد ولد الشيخ محمد أحمد ولد الغزواني ثلاث وظائف رئيسية منذ الثالث من أغسطس ٢٠٠٥، هي على التوالي: إدارة الأمن ورئاسة الأركان ووزارة الدفاع.

 ولأن فترة وجوده في الأخيرة كانت قصيرة جدا، فإنها لا تصلح نموذجا للقياس. ويمكن النظر إلى سيرته في هذه الوظائف من ناحيتين:

- الناحية الأولى : هي وضع هذه المؤسسات حين مجيئه لها، ووضعها يوم مغادرته لها.- والناحية الثانية هي مقارنة وضعه بالشخصيات التي تولت مسؤوليات مشابهة، أو تولت نفس المسؤوليات.إن وضع هذه المؤسسات يمكن أن يسأل عنه العاملون فيها ولكن الواقع المشاهد يقول إن الشرطة قبل الثالث من أغسطس كانت مهنة يعيش أصحابها من ظلم الآخرين وابتزازهم وإن العاملين في هذه المؤسسات أصبحوا بشرا مثل الموظفين العاديين منهم الصالح والطالح، ولكن الوسائل الموضوعة بين أيديهم تكفيهم للحد الأدنى من العيش الكريم وتوفر لهم أدوات العمل التي يحتاجونها.

وبالنسبة للمؤسسة العسكرية فما وقع يشهده الجميع؛ فبعد أن كانت المجموعات المسلحة تفتك بوحدات الجيش من دون سلاح، كما في لمغيطي والغلاوية، لا أعاد الله ذكرهما، أصبحت القوات المسلحة تطارد المجموعات خارج الحدود وأنهت وجودها في داخل الأراضي الموريتانية حتى تبوأت موريتانيا قيادة الأحلاف العسكرية الإقليمية.

أما من الناحية الثانية فتوجد اليوم شركات ومؤسسات بأسماء كثير من المسؤولين الذين تولوا وظائف أقل شأنا من قيادة الأركان وإدارة الأمن، ولم يستطع أحد من المعارضين، ولا من مروجي الشائعات التطرق إلى أي ممتلكات تذكر للمرشح محمد ولد الشيخ محمد أحمد ولد الغزواني.

لقد راكم المرشح من عمله في الوظائف السامية، ومشاركته في صناعة القرار طيلة الخمسة عشر عاما المنصرمة خبرة وعلاقات لا غنى عنها لمن سيقود البلد خلال المرحلة المقبلة، وهي مقبلة على طفرة في الموارد الاقتصادية، بفعل الاستثمارات الكبيرة في الغاز والتعدين، وهي طفرة ستجر معها كثيرا من التحديات الداخلية المتعلقة بتصريف هذه الثروات لصالح التنمية، ولصالح الإنسان والتحديات الخارجية المتعلقة بالأطماع التي تتزايد في كل الثروات وفي الموقع الاستراتيجي لبلادنا.

إن العارفين بالرجل يتحدثون عن ميزات أخرى لا تقل أهمية عن الميزات السابقة؛ فبحكم الخبرة التي راكمها أصبح استيعابه للملفات الوطنية الكبرى استيعابا ناضجا، وأصبح لديه وعي بكافة أبعاد مشروع الدولة الموريتانية والتحديات التي يواجهها.

إن هذه المحاولة للإجابة يجب أن تعكس السؤال، بحيث يصبح: لما التفكير في غير غزواني؟ ولماذا نتجاوزه إلى غيره، وقد عثرنا فيه على كل الميزات الشخصية والموضوعية التي تتطلبها المرحلة؟

2. مايو 2019 - 13:17

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا