قرأت مقالة الشيخ محمد حرمه الطريفة التي عنوانها: "الفصاحة في اليد! (مقارنة بالصور بين خط غزواني وولد ببكر)" ونشرتها على موقعي. وقد أثارت لدي الملاحظات التالية:
أولا: إنني وقد عاصرت ميلاد الدولة الموريتانية العسير، وخبرت ما عانته في طفولتها من عوامل المسخ والاستلاب، وما أصابها بعد عز وشموخ صدر السبعينات من هوان في أزمن انحطاط وتيه يوليو، لأحمد الله وأشكره على ما حبانا به من نعمة وتمكين في عشرية النهوض والشموخ؛ حيث صار من بين ساستنا والمترشحين لقيادة أمتنا فرسان كثر شهد لهم بفصاحة اللسان واليد! وهذا لعمري مجد يذكر فيشكر!
ثانيا: لقد صدق من قال: "إنه يمكن مدح الرسول - صلى الله عليه وسلم- دون ذم حليمة"! وأسوة بذلك، فإنه يمكن مدح الرئيسين غزواني وولد ببكر بالفصاحة في اليد واللسان، دون ذم رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز. وأحرى بما ليس فيه! فالرئيس محمد ولد عبد العزيز ليس "عدو الشعر" والأدب واللغة كما ورد في المقالة؛ بل هو عدو الجهل والتخلف والجمود والقعود عن المعالي وعن صعود قمم القوة والعزة والكرامة وامتلاك ناصية العلم والتكنولوجيا والحرب والصناعة والزراعة والصيد.. الخ. عدو الخمول و"البقاء على الآثار" والبكاء على الأطلال، وتجارة الحرف الرقيق! وهذا الروح الوطني الجامح هو الذي جلب له عداوة المترفين والخاملين والمتسكعين بالشعر، فقالوا فيه ما لم يقل مالك في الخمر؛ بما في ذلك "عداوة الشعر والفكر" في بلد الشعر! ولكنه بالمقابل قد حباه حب وتأييد شعبه الكريم الحر!
أما الشعر فكائن ملائكي حي جميل وعظيم؛ وعندما يخلو من هموم الناس وغضب العصر فإنه يفقد إكسير حياته ويصبح - كالمتسكع به- جسدا بلا روح!
ثالثا: نحن بلاد "المليون شاعر" و"الشعب البدوي العالم" الوحيد في العالم؛ وعليه فلا خوف علينا من التصحر الثقافي، خاصة بعد أن هزمنا استلاب ورطانة الستينات، وانحطاط الفترة الهيكلية ما بعد العاشر يوليو! وسنظل، بالفطرة، نعبد الشعر والجمال ونعشق الفصاحة ونقدس الشعراء! لكننا، وقد رمتنا أقدارنا ضحى القرن الواحد والعشرين في "شعب بوان" العولمة والتكنولوجيا والذرة، نحتاج شيئا آخر أهم وأعظم وأكبر وأخطر من الشعر و"الفصاحة في اليد" واللسان؛ ألا وهو "الفصاحة في الفعل"! وتعني امتلاك أسباب الحضارة والعلم، والأخذ بأسلحة العصر حتى نضمن البقاء ونساهم في ريادة المستقبل! وهذه هي"اللغة" التي خاطب بها "الشاعر" المبدع محمد ولد عبد العزيز وصحبه الموريتانيين يوم الزينة، فأنكرهم "الشعراء" والغاوون، وآمن بهم البسطاء والمتكلمون! يوم ألقوا عصاهم فأخرجوا موريتانيا من التيه، وبنوا جيشا قويا قهر الإرهاب ووفر الأمن، وشيدوا الجامعات والمستشفيات والموانئ والمطارات والمصانع والمزارع، وعبدوا الطرق، وفجروا ينابيع اظهر وفم لگليته، وآفطوط والنهر، في كل حدب وصوب، وأطلعوا شموس الكهرباء في كل سماء! وها هو قائد مسيرتهم المظفرة يعصي العواذل والشياطين و"الشعراء" ويتخلى طواعية عن السلطة وينجز صرح التناوب السلمي عليها.. ويعطي القوس باريها؛ في الوقت الذي يتشبث فيه آخرون بالسلطة حتى الموت!
إن شعبنا الناهض من كبوة الانحطاط والفساد والاستبداد والاضطهاد، والذي رفعه بعد ذل وأعزه الرئيس محمد ولد عبد العزيز وصحبه، ليخاطب جميع السياسيين والمتكلمين ويناشدهم بكل مقدس لديهم ولديه أن:
"علمـونا الأفعال قـد ذبحتنـا ** أحرف الجر والكلام العجين!