رمضان شهر الرحمة الربانية وعذاب السوق ، رحمة في السماء وجنة على أرض الغني المنتفخ ،وجحيم استهلاكي يبتلع كل رصيد الفقراء؛ ليسلمهم إلى افلاس سنة مع تراكم مريع للديون ..
كانت بداية الشهر الكريم هذا العام مترافقة مع بخل شديد للتجار وجشع كبير لمنظومة ضرائب الدولة؛ مما أدى إلى تزايد سعر الوجبات الرمضانية الى اكثر من الضعف؛ فعجز عنه اغلب سكان انواكشوط ، الصائمون منذ سنين عن جميع الكماليات التي تتوفر بكثرة في بيوت المسؤولين عن مأساة الشعب .
فرغم فتح معبرين للتجارة باتجاه دول تصدر الخضار والفواكه ، و الاحتفاء الكبير بقطاع الزراعة الوطني، إلا أن التموين بالخضار والفواكه لم يشمل جميع المدن الوطنية، ومازال أغلب الناس في انواكشوط لا يستهلكون الخضار والفواكه إلا حال كمبالغة في الرفاه أو كمداراة عن المرض
ولا يقتصر الغلاء على هذه المواد الكمالية بل إنه شمل جميع أسعار الأغذية ، مع التدني الشديد في رواتب الدولة والقطاع الخاص ، إذ أن الحد الأدنى للأجور جعل الراتب لا يلبّي حاجة الغذاء لشخص واحد طيلة عشرين يوما أحرى لمدة شهر !
إن الفقر المريع الذي ينتشر انتشار النار في الهشيم والذي كاد يبتلع نواكشوط، وكذلك التفاوت الاقتصادي، سببان رئيسيان للسرقة والعمليات الإجرامية ، ومما يدعو للسخرية والتعجب أن تشمل مرارة المعاناة من الغلاء وتدني الرواتب القائمين على الأمن، إلى جانب المعلمين والصحافة وسائقي الوزراة وعمال البلاط !
إن الفشل الاقتصادي والجهل بمعطيات التجارة ، وعدم مراعاة أحوال المواطنين ، من طرف واضعي الضرائب، عوامل أسهمت بشكل غير مبرر في ارتفاع الأسعار، وطحن الكثير من المطحونين أصلا بالغلاء ، هذا الفشل الاقتصادي وضع الأمن والصحة على كف عفريت؛ فالأسعار هي المؤشر الوحيد على الاختلال الضريبي . فليس من المنطقي أن تزيد أسعار المنتجات الكثيفة مع قلة في الطلب إلا بزيادة الضرائب.
و في المحصّلة، لا تتوقف مأساة الموريتانيين الاقتصادية على رمضان فقط ، فجميع أشهر السنين الأخيرة كانت حافلة بالمفاجآت الإقتصادية السيئة ؛التي دمرت أسرا وهدمت بيوت كانت عامرة بالضيوف، بسبب عملية تحصيل فاشلة لا تخدم الوطن وتنهك ، المواطن ، فتصر حكامة الحمقى على انه لن يقدر على التنفس إلا اذا دفع لهم الضرائب ليملؤوا بها الخزينة ويذكرونه قبل كل تظاهرة للحد من الجوع أن خزائنه ممتلئة ،والمسكين يصيح لسان حاله :
"إذا مت ظمآنا فلا نزل القطر"
و التذكير بهذه اللآلام في رمضان هو محاولة لوخز ضمائر المتسببين في المآسي ، الذين سيتواجدون بكثرة في مساجد تفرغ زينة ، و سيظهرون بوجه خاشع وبصر مغضوض ، وصوت فيه تقوى ، ثم يعودون إلى منازلهم ورفاهيتهم وينسون الكوارث والمآسي التي تسببت فيها وظائفهم المشؤومة.
فالنقطع عليهم خلوتهم وخشوعهم الماجن بالآية الكريمة:
"
إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ
صدق الله العظيم