لا يعرف الموريتانيون كثيرا عن محمد ولد الشيخ محمد أحمد ولد الغزواني، رغم أن لا أحد يجهله، لعل حساسية المناصب التي شغلها الرجل في السابق تحيط شخصيته بالسرية والكتمان الذي يلامس الغموض أحيانا.
ولعلّ أول خطاب سمعه الموريتانيون مباشرة من محمد ولد الغزواني كان في فاتح مارس يوم إعلان ترشّحه، وكان كلام الرجل كشخصيته لافتا للغاية، فقد بدا كلاما مختلفا عما يسمعونه منذ عقود. كثيرون يعتقدون أن المترشح كتب خطابه بنفسه ولنفسه، وأنه سيفعل الشيء نفسه مع برنامجه الانتخابي برُمّته. في الخطاب نبرة واقعية لا تخطئها أذن صاغية: هذا كلام خال من الاستعراض الفارغ، ليس فيه مبالغات ولا مغالطات ولا تلاعب بالألفاظ، كلام صريح واضح بلا لفّ ولا دوران، ليس بوسع الإنسان إلا أن يُنصت له بل ويتأثر به.
أنت الآن أمام رجل – على افتراض صحّة هذا التّصور – نجح في نقل المؤسسة العسكرية من حالة العدم إلى الوجود بالقوّة والفعل، وأخذ على عاتقه تطوير وتحديث المنظومة الدّفاعية الوطنية بكوادرها البشرية واللوجستية والتسليحية وهيّ مهمة على قدر كبير من الخطورة والتعقيد، ليس لأسباب ذاتية فقط، بل لأسباب وظروف موضوعية تتعدى حدود موريتانيا إلى الإقليم والمنطقة بشكل عام.
-----
استوقفتني إشارات كثيرة في خطاب المترشح وتصريحاته الإعلامية رغم المساحة الزمنية القصيرة لظهوره الإعلامي، هناك نبرة واقعية واضحة، فهو لا يعد بجنّات عدن، ولا يطلق الكلام على عواهنه ولا يترك الأماني والأحلام تجري في أعنّتها، هوّ واضح ومحدّد جدا حين يتعلّق الأمر بالوعود والتّعهدات، لا يأخذ على عاتقه عهدا إلا أن يكون مطمئنا كلّ الاطمئنان واثقا كلّ الثقة من إمكانيّة تحقيقه والوفاء به، لعلّ هذا تفسير لقولته الشهيرة التي أصبحت متداولة بشكل واسع "إن للعهد عندي معناه".
يبدو من شخصيّة الرجل أنه يولي اهتماما خاصّا لما يقول وما يفعل، فالاستدراكات الذكيّة والدّقيقة حاضرة بقوّة في خطاباته، حتى تلك العفوية منها، فحين يتحدّث عن الانجازات التي تحققت لا يغفل عن النواقص الكثيرة التي لا تزال ماثلة، وحين يستعرض الأشواط التي قُطعت لا يُسقط المسافات الطويلة التي لم تُقطع بعد، هنا دلالة خاصّة لإشارته في خطاب الترشح لذلك الصّرح الذي "لا ينتهي العمل فيه" وهي جملة من الواضح أنها تجهد في إيجاد معنى لفكرة أن بناء الدول لا يتوقف أبدا عند لحظة زمنية معينة.
حتى عندما يتحدّث محمد ولد الغزواني عن علاقته الشخصيّة بمدينة مُعيّنة لا ينسى أبدا أن يُذكر في الوقت ذاته أن هذه العلاقة لن تؤثر على مستوى التعاطي ولن تجعل لهذه المدينة حظوة خاصّة دون غيرها من مدن البلاد، هوّ هنا يرسم حدودا واضحة بين الإنسان ورجل الدّولة، فالإنسان يتعلّق بالأمكنة والأزمان والأشخاص والمعالم، أما رجل الدّولة فيعمل وفق أجندة مدروسة وفق رؤية شاملة وبعقل بارد وبرنامج عمل صارم، لا مكان فيه للمجاملات والعواطف.
والاستنتاج الذي تخرج به وأنت تتابع الخرجات الإعلامية لهذا المترشح أنك أمام رجل دولة بالمعنى الحرفيّ للكلمة، حركاته مدروسة بدقّة، وكلماته موزونة بعناية ووعوده محدّدة بالإمكانات والأولويات وفق أسس صارمة، وأنت أمام رجل يتمتع فيما يبدو بدرجة بالغة التقدم من ضبط النفس وكبح الانفعالات وسعة أفق تجعله قادرا على استيعاب الجميع دون تحيّز إلى فئة أو انحراف عن مسار.
عبد الله البو احمد عبد / عضو تجمع كفاءات في خدمة الوطن