يعاني هذا البلد وبشدة من التباين الكبير في مستويات العيش بين أفراد مكوناته وشرائحه على الرغم من الذي ما زالت - في مفارقة استثنائية عجيبة - تتميز به غالبية هذه المكونات و الشرائح من البعد في سلوكها و نفسياتها و فلسفاتها عن "العنف"، وبنبذها "الشطط" وإيثارها "السلم" المجتمعي وتعلقها باللحمة لأسباب جديرة :
- بدراسة اجتماعية معمقة شجاعة يتم إعدادها بعلمية وإحكام على خلفية نظرة فاحصة للبعد المتعلق بالحالة النفسية للمواطنين وسبر منهجي دقيق لها واحتمالات تغيرها والعوامل التي قد تؤدي إلى ذلك،
- وتقييم علمي محكم ورصين كذلك لجميع أوضاع البلد التي يطبعها التخلف الصارخ والاتساع المقلق للهوة بين القلة الغنية نتيجة النهب والنصب والاحتيال على مال الخزينة العامة، إلى حد الثراء الفاحش من ناحية، والفقر المدقع السافر إلى حد إثارة استغراب العالم منه لعلمه بكثرة وتنوع مقدرات البلد المعدنية ومن بترول وغاز وثروات طبيعية كثيرة هي الأخرى، من ناحية أخرى.
وإن لهذه الدراسة وذلك التقييم اللذين يغفل الجميع من السياسيين، في سلبية التعاطي، طابعهما الاستعجالي وهم منشغلون عنهما بصراعات الأطراف والأجنحة المحمومة على السلطة وتكالب أفرادها على ثروات البلد بلا مقابل من التنمية أو ضمان للبقاء، بل بالجمع المسعور للمال، الذي لو كان يتم بالحلال ورائق التفكير وبالغ الجهد وجميل التحصيل وحسن التسيير وقويم التدبير لقيل بارك الله فيه وأهدى أهله إلى التصدق منه والزكاة والمشاركة في إرساء دعائم الاقتصاد ة دفع عجلة التنمية.
لكن الواقع غير ذلك، فهو إما:
· مال مشوب في الأصل بآفة الاغتصاب من خزائن الدولة والانتزاع من مقدرات البلد والشعب،
· أو هو نتيجة توظيف في مقامات التسيير حصة وهدية ومكافأة لدعم،
· أو تعويض وأجر لألسن وأقلام النفاق والرزء،
· أو محصول التبييض الذي تفتح له الأبواب مشرعة من مواقع النفوذ والقوة في مواطن القرار.
هما إذن دراسة وتقييم إن لم يتم الاعداد لهما في الوقت المناسب فقد تفوت فرصة انتشال البلد من مجهول يحمل كل علامات الضياع لا قدر الله، لأن السكوت على دوام الغبن واتساع الهوة بين أصحاب اليد الطلى على خزائن الدولة ومقدراتها والإمساك بزمام أمورها بلا عدل أو إنصاف، أمر مستحيل الدوام.