سنابل التراويح (7)! / د.افاه ولد الشيخ ولد مخلوك

لقد لامست سماء الرحمة أرض اللطف حين نزل القرآن الكريم تشريعا ومنهاج حياة على خير المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم فأنبتت ينابيع الحكمة وأطايب الدرر شرحا من الصادق المصدوق عمليا وواقعيا؛ ففي سنة ست من الهجرة النبوية الطاهرة كانت غزاة بني المصطلق أو المريسيع وبينما الركب الميمون ينزل ب"البيداء" أو "بذات الحبش " انقطع عقد لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فأخبرت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقام على التماسه هو وصحبه الكرام رضوان الله عليهم فكان ذلك سببا في نزول آية التيمم التي افتتح بها المؤلف كتابه "فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجهكم وأيديكم منه " واللفظ موجود في القرآن في سورتي النساء و المائدة المدنيتين؛ففي النساء لطيفة ذكر التيمم المناسبة لجو التشريع بها وبزمن نزولها فلقد نزلت بعد الممتحنة وتحدثت عن أمور الحلال والحرام وركزت على النساء حتى تسمت بهن فكان نمط التشريع تكميلي إن صح التعبير و تخفيف من ربكم فناسب ذلك عدم التعليل لما تضمنت من الأحكام الكثيرة وهو الأمر ذاته في المائدة.

بوب البخاري أبواب كتابه السبعة على أحكام التيمم التفصيلية؛نزوله خصوصية الأمة به تبعا لخصوصيات النبي صلى الله عليه وسلم "وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا.." وتطرق لعدم وجود الماء والتراب؛ والتيمم على الجدار ثم كيفية النفخ في الكفين ورخصة التيمم للجنب الذي يخاف مرضا تخفيفا من الله لعباده "عليك بالصعيد فإنه يكفيك .."

لكن لم يتطرق البخاري لعلة التيمم ولا الحكمة من اقتصاره على عضوين من الجسم مكتفيا بالنصوص النبوية والوقائع التاريخية في زمن التشريع؛فناسب ذكر الأحكام المبينة بالكتاب ذكر متعلقاتها شرعا وواقعيا دلالة وغرضا؛ليتضح من خلال التمعن أن كل ذلك لحكمة بالغة وتربية قصوى وتوجيه كريم؛ فالتيمم من أصله تخفيف ورشاد للعباد؛ وفرصة لإبراز العبودية وتجليها؛إكراما لبنى آدم وفضلية لهم؛إذ أمر الشارع بمسح الوجه واليدين؛وهما المغسولان في طهارة الوضوء؛وترك الممسوح عليه أحيانا هناك "الرأس -العمامة-الرجلين -الخفين/ لملامسة الرجلين دوما للأرض ولعدم تمريغ الرأس في التراب ووضعها عليه لأن لذلك دلالات أخر في المجتمع الجاهلي من بكاء الميت والحسرة والمذلة ونحو ذلك .....

ووضع التراب على اليدين والوجه فيه خضوع وخشوع وانقياد للخالق سبحانه وتعالى؛لذلك كان السجود على الجبهة ركونا واستحضارا لعظمة الخالق وتذلل المخلوق وضعفه ....

إنه "كتاب التيمم " من صحيح البخاري بأحاديثه السبعة ودروسه الكثيرة وحكمه الجليلة وتربيته النقية الصادقة؛وزمنه الناصع الطاهر "وصدق الله ورسوله " 

 

12. مايو 2019 - 17:53

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا