العدالة في القتل/ أحمدو ولد الوديعة

 

أحمدو ولد الوديعةعندما أطمأن الجنرال محمد ولد عبدالعزيز زوال يوم السادس من أغسطس 2008 على أنه  " وضع حدا "  لأول تجرية ديمقراطية موريتانية منذ الاستقلال خرج مع طغمة من عناوين الجريمة معه ليقدم وعده الأبرز " سأقسم عليكم الموجود من العدالة"، لم يعر كثيرون كبير اهتمام لذلك الوعد فقد كان مجرد فكرة

 اقترحها  أحد المبشرين بالانقلاب على الجنرال فعبر عنها ملتبسة غامضة ميتة، لكن بعد أربع سنوات على ذلك اليوم الحزين أصبحت أمامنا صورة واضحة لتك العدالة الموعودة إنها العدالة في القتل والقمع والاحتقار.

 أربع سنوات مرت على تربع حارس القصر على كرسي الرئاسة كانت حافلة بقمع المظاهرات والدوس على الحرمات، والاستخفاف بعقول الشعب الموريتاني من خلال تكرار ممجوج لشعارات جميلة لايفتأ الجنرال يكررها ويخالفها إلى عكسها تماما، ومع افتضاح كل تلك الشعارات يستعد الرجل لتكرارها للمرة الألف في لقاء جديد من تلك اللقاءات المبرمجة مع " شعب مختار" من المصفقين لكل الأنظمة  من المختار إلى الجنرال، هذه المرة من أطار في هروب إلى الشمال يعكس شعورا  متزايدا بانتهاء صلاحية النظام.

  أربع سنوات وزع فيها القتل والقمع بعدالة على مختلف الشرائح والجهات ؛ ففي مقامة قضى شاب عشريني على يد فرقة من الدرك الوطني بينما كان يهتف بحقه في مواطنة كاملة ومتساوية مع بقية مواطني بلده، ويرفع صوته ضد إحصاء امربيه الخارج عن القانون .. قتل  مانغام بدم بارد وتركت عائلته المفجوعة  تصطلي نار فقدان  ابنها اليافع... لم يفتح  أي تحقيق مع أن الجريمة اقترفت في وضح النهار والقائمون عليها معروفون من أسفل الهرم إلى أعلاه لكن  الأمر لم  يتطلب من رئيس الفقراء المتمسح – زورا -  بشعارات الوحدة الوطنية – مجرد القيام بتحقيق... مجرد تحقيق.

 وحتى لايظن ظان أن للمكان أو الجهة اعتبارا في جريمة تصفية لامين مانغام كانت جريمة اغتيال المناضل العمالي محمد ولد المشظوفي في اكجوجت – المسقط المفترض لرأس الجنرال – لتؤكد أن العدالة في  القتل مطبقة بالكامل، وسريعا تحركت الإدارة والنيابة كل على خطه وطريقته لطمس معالم الجريمة ورشوة العائلة المفجوعة بدراهم معدودة حتى يطوى ملف الجريمة كما طويت ملفات قبله، وأمام إصرار العائلة على الحق في القصاص كانت النيابة جاهزة لتقول أن لاسبب محدد لوفاة المشظوفي، لاسبب محدد عبارة غريبة في القاموس الطبي في مثل هذا النوع من الحالات تخفي وراءها إصرارا  لايخفى على توزيع الموجود من العدالة.. يبدو أن الموجود في العدالة من العدالة هو التستر على جرائم القتل، والمشاركة مع سبق  الاصرار في استمرار الإفلات من العقاب.

 بين الحادثين المفجعين كانت هناك حوادث كثيرة منها حادثة مقتل ولد المعلى  بسبب استنشاق  مسيلات دموع  كانت آلة القمع توزعها " بعدالة " على كل الموجودين في  محيط العيادة المجمعة ذات مساء تظاهر فيه حقوقيون للمطالبة بإطلاق سراح قادة إيرا، سقط ولد المعلي واستغلت جهات نافذة في دوائر المحكوم بهم موقعها الاجتماعي لتصدر نفس الحكم  " لاسبب محدد للوفاة" وقصة مسيلات الدموع من اختراق برلماني معارض وفق تصريح غريب أصدرته إدارة الأمن لمؤازرة ممثليها المحليين المشرفين مباشرة على عملية القتل الثاني لولد المعلي..  نعم لقد قتل ولد المعلي مرتين؛ الأولى بغاز الشرطة والثانية بضغط  ذوي القربي.

 حادثة الطائرة المفجعة التي احترق فيها سبعة من خيرة شباب موريتانيا  مأساة أخرى، وتجسيد آخر لتوزيع القتل بعدالة؛ فقد كانت الطائرة العسكرية في رحلة" تجارية"  إلى اكجوجت لنقل كميات من الذهب من شركة تازيازت، وهناك قصة لتوزيع غير عادل هذه المرة لثروة موريتانيا بين مستحقيها من الشعب والمستحوذين عليها من تجار الذهب العابرين للقارات ووكلائهم في القصر الرمادي.

 سقطت الطائرة بعد  دقائق من إقلاعها وبعد أسابيع من إبلاغ الجهات المعنية بوجود مشكلات فنية تستحق الصيانة لكن التوزيع العادل للإهمال أجل إصلاح الخلل ثلاثة أسابيع  ليكون على الراجح السبب وراء سقوط الطائرة فجر الأحد الماضي ،وجعل سيارات الإسعاف تتأخر أكثر من نصف ساعة  التهمت فيها النيران الطائرة العسكرية التي كان يقودها النقيب الحسن ولد الشيخاني،ذلك الطيار العسكري المتميز  الذى تبين لاحقا أنه كان قائد العمليات الجوية في الجيش الوطني، وتلك قصة أخرى من قصص  الانحراف الفظيع لمؤسسات الدولة؛ إذ كيف يمكن لجيش يحترم نفسه أن يوظف قائد عملياته الجوية في نقل البضائع لشركة اجنبية وحفنة من الخصوصيين...؟!

 لقد كان ولد عبد العزيز وفيا لسيده الأول وقدوته المثلي العقيد معاوية  ولد الطائع الذى عرفت فترة حكمه جرائم كثيرة لايمكن الحديث عن الجرائم دون التذكير بها  فقد قامت آلته القمعية التي كان ولد عبدالعزيز ركنا من أركانها باغتيال المئات من المواطنين الموريتانيين نهاية الثمانينات وبداية التسعينات دون أي محاكمة وبطرق وحشية، وما تزال عائلات هؤلاء تجهل حتى الآن من قتلهم، ولما ذا قتلهم وأين  تم دفنهم ، وحده ولد عبدالعزيز القائد العام للقوات المسلحة ورئيس الجمهورية ورئيس المجلس الأعلى للقضاء قال إنه يعرف من قتلهم لكنه مع ذلك لم يحرك ساكنا لينال القتلة الجزاء، أو تتعرف عليهم العائلات في الحد الأدنى ليمكن بعد ذلك أن نطلب منهم جميعا العفو والصفح خدمة لمستقبل البلد وانسجامه بعد أن معرفة الحقيقة وجبر الضرر.

إنه النظام نفسه والمسار نفسه والعدالة نفسها ومع ذلك يستعد الجنرال ليخرج علينا من اطار هذه المرة خلال أيام ليقول لنا إنه المجدد والمنقذ وأن من يعارضونه هم زمر من المفسدين وأنصار النظام السابق.. صحيح أن من بين معارضة اليوم  من كان جزء من آلة القمع والقتل، وهو يتحمل وزر ذلك وعليه الإجابة عن أسئلة تلك الفترة بكل شجاعة واستعداد لحكم القانون لكن الأصح أن الهيكل الأساسي لنظام ولد الطائع موجود  في حزب السلطة وفي  دوائر الحكم، أما الأصح من ذلك كله فهو أن الجنرال ولد عبدالعزيز ليس سوى نسخة ضعيفة التنقيح من العقيد ولد الطائع... إننا مبتلون فعلا بطينة من الحكام القتلة المستخفين بنا فمتى نتحرر منهم ونحرر منهم أوطاننا.. لعل رمضان فرصة لنضيف لجهودنا المادية الساعية للتغيير حملات دعاء نتضرع فيها إلى الله أن يريحنا منهم ويبدلنا خيرا منهم، وما ذلك على الله بعزيز.

22. يوليو 2012 - 11:32

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا