تفرج كغيري من الموريتانيين،مساءالخميس الماضي، على حوار غير مسبوق على شاشة التلفزيون الموريتاني أريد له أن يناقش موضوع التعديلات الدستورية التي أجريت مؤخرا من حيث شكلها وجوهرها ودستوريتها، وهو موضوع غاب كثيرا عن الحوار لولاأن مقدم البرنامج ذكر به أكثر من مرة،وهو ما لم يكن ليعيد الطرفين إلى الموضوع،
ليس لأن بعضهم لم يكن لديهم ما يقولونه فيه تفنيدا أو دفاعا وإنما لأن بعضهم أراد غير ذلك فنجح في تحويل الحلقة إلى صراع بين الديكة بعد أن اعتقدنا أنه بين نواب من البرلمان الموريتاني.
ومع أنني لا أريد تقييم الموقف لأدعي مع المعارضة أن رفاق ولد بدر الدين (على وزن رفاق ميسي كما يقول المعلقون الرياضيون)قد سجلوا أهدافا ضد رفاق ولد محم ولا لأدعي مع الموالاة عكس ذلك، بل لألفت الإنتباه لأمور جوهرية على هامش" الحوار":
أولا: أن التلفزيون،وبغض النظر عن الخلفيات والأسباب السياسية التي تقف وراء دعوته للحوار، قد نجح في اختيار مدير الحوارالذي لم يخضع لغريزته المعروفة في الدفاع عن النظام، ومارس الحياد بمهنية وحكمة وصرامة لا مجال لإنكارها.
ثانيا: أن الحوار كان ناضجا وموفقا في الكثير من جوانبه ويصلح لأن يكون تجربة لبداية حوارات لم نكن ننتظرها من شاشة عودتنامنطق اللون الواحد، ما يدعونا للتغاضي عن بعض الزلات والهنات في انتظار الإستفادة من أخطاء التجربة كما يقال.
ثالثا: أن الهجوم المبكر لمحمد ولد ببانه على السالك ولد سيدي محمود لم يكن له ما يبرره اللهم إن كان الهدف منه إبراز هذا النائب الشاب، الذي له أن يدافع عن التعديلات الدستورية التي تنص على تحريم مغادرة الأحزاب بعد الوصول إلى البرلمان،ما دامت لا تطبق بأثر رجعي، كما لو كان مستعدا للإستشهاد في معركة مقدسة دفاعا عن الرئيس.
ومع أنني كنت أعول كثيرا على ولد ببانه، الذي لطالما حافظ على اتزانه وهدوئه في المناسبات السابقة، فإن نواب المعارضة ربمافطنوا إلى هذه الخاصية التي هي نقطة قوة في شخصيته لصالح الأغلبية فتعمدوا إغضابه قبل دخول الإستيديو ليفقدوه فاعليته في الحوار ويبرزوه كما لو كان شابا متشنجا وعديم الحكمة وهو ما نجحوا فيه بالفعل فبدا مثقفا ومتماسك الحجة في بعض جوانب الحوار ولكنه لم يسيطر على سلبية التشنج التي تفسد المثقفين وتقربهم من الغوغاء،وقد لا يكون ظلما إذا ادعى المشاهدون أن غلطة تحامله على زميله السالك ولد سيدي محمود قد أفسدت الحوار ووجهته وجهة أخرى لم يكن أحد يتمناها.
وبنفس المنطق لم يكن للنائب ولد سيدي محمود أن يرد على ولد ببانه بنفس الأسلوب مع أنني أقر له بحقه في الدفاع عن نفسه ولكن في حدود توضيح الحقيقة وانتهازا لفرصة عنت له فضيعها أعني فرصة التحلي بالصبر والتغاضي عن زلات الأصدقاءحتى ولو كانوا من الموالاة.
يبدو أن نائب الإسلاميين قرر الرد على الزلة بأختها فبدا وكأن ولد ببانه قد منحه فرصة للهجوم والتحامل وقول أشياء كان يبحث عن وجود أو عدم وجود مناسبة لقولها بعيدا عن الشعور بالمسؤولية.
رابعا: أن النائب محمد فاضل ولد الطيب، الذي تبنى موقفا حاول فيه أن يبتعد عن تجاذب الطرفين، قد نجح في الحفاظ على هدوءمنقطع النظير كان فيه خصما محترما ومحاورا لبقا كسب ود قومه في الموالاة دون أن يجر لنفسه عداوة الخصوم في المعارضة.
ومع أنني لا أشاطر ولد بدر الدين كثيرا من أفكاره عندما وقع مع رفاقه اتفاق داكار وعندما استمروا فيه مع أنهم يعلمون يقينا أن تقاسم السلطة آنذاك كان كلاما فارغا مكانه السماء وليس له على الأرض مكان، ورغم أنني أشارك ولد محم رأيه فيه عندما ذكره بأن الإدعاءبأن ولد عبد العزيز غير شرعي هو أمر غير مقبول من ولد بدر الدين الذي كان سباقا هو وغيره من قادة المعارضة للإعتراف بنتائج الإنتخابات ... رغم كل هذا فإن الرجل،و مهما اختلفت معه، يأسر بمنطقه واتزانه وهدوئه الذي لا يفقده إلا نادرا، بالإنسجام والتماسك في أفكاره التي يسوقها برجاحة عقل لا سبيل لإنكارها هي كذلك..هكذا بدا في حوار الخميس وعلى منواله سار النائب با علي إبرا الذيتحدث بأسلوب المثقفين ورفض الإنجرار للتشنج الذي كاد يفقد البرنامج قيمته ومعناه.
خامسا: إذا كانت المعارضة،على ضعف موقفها السياسي، قد وفقت من خلال ولد بدر الدين في التصويب على النظام في مقاتل عديدة فإن الموالاة، على ضعف حجتها وتفاهتها، قد استطاعت من خلال ولد محم أن تبدي المعارضة كما لو كانت رافضة للحوار معأنها ليست كذلك.
لقد كان النائب سيدي محمد ولد محم بحاجة لفرصة النقاش تلك ليكذب الإشاعات التي روجت لمغاضبته النظام لأسباب شخصية ويستعيد مكانته داخل سرب المصفقين بعد فترة غياب عن الملاعب بسبب إصابة مؤقتة في حبال الصوت.
ومهما يكن تقييمنا لحوار والمتحاورين فإنه أبان عن مستوى متدن للخطاب السياسي لنخبة سياسية تقود البلد وتغير ولاءاتهامن نظام لنظام ومن موقف لموقف كعباد الشمس الأحمر، ولكن عزاءنا فيهم أنهم كل ما نملك ولا سبيل إلى استيراد نخبة بديلة عنهم،وعزاؤنا أن ما نعاني منه ليس أزمة نخبة ولا ندرة في السياسيين وإنما ضيق في العيش وارتفاع للأسعار لا حد له ولا نهاية ومسيرون لا يأكلون إلا مالا حراما ولا يأتون إلا منكرا ولا يتحدثون إلا كذبا وبهتانا ومع هذا يدعون لنا ويريدون منا أن نصدق أنهم مصلحون.
اللهم لا شماته