أزمة عزيز بين الناصحة والناطحة / محمد ولد شيخنا

 محمد ولد شيخناقبل أكثر من عام من الآن كتبت مقالا تحت عنوان: (تأجيل انتخابات الشيوخ،فرصة الحوار الضائعة) اعتبرت فيه  أن الرئيس محمد ولد عبد العزيز لم يكن حكيما بالمرة عندما رفض تأجيل انتخابات مجلس الشيوخ عندما طالبته بها المعارضة ثم عاد لاحقا ليقوم بتلك الخطوة مجانا عندما شعر بأن قومه مغلوبون لا محالة بناء على معلومات

 من حزبه الذي بدا، حينها، مهددا بانقسام كبير وشرخ لا يمكن رتقه بعد الإستياء الواسع الذي أعقب صدور لائحة المرشحين.

يومها كانت منسقية المعارضة متماسكة خلف المطالبة بتأجيل الإنتخابات بحجة وجيهة ومنطقية مفادها أن الظروف لم تكن مواتية من حيث اللائحة الإنتخابية التي ينبغي حسب المنسقية أن تشمل مائة ألف من الشباب الذين بلغوا سن التصويت ليسوا جزء من اللائحة، ويومها كان مسعود ورفاقه يحاولون جر المعارضة إلى حوار مع النظام تغض فيه الطرف عن كثير من مطالبها ومبادئها بحجة وجيهة كذلك وهي أن النظام يحاول إلصاق تهمة رفض الحوار بتلك المعارضة وأنها مطالبة  بإثبات براءتها من تلك التهمة التي كان مسعود وبيجل  يحرجان بقية أحزاب المنسقية بها وهما يضمران، في قرارة نفسيهما،  بحثا من تحت الطاولة عن صفقة مع النظام تخلصهما عن جفاف المعارضة  البعيدة  عن مصادر الرزق وهما من تعودا تسيير الميزانيات وتوزيع الأعطيات السخية على الأنصار والمحازبين.

وعندما تأكد الرفيقان أن المعارضة لا تريد الإنسياق وراء تلك المغامرة توكلا على الله وغادرا معسكرهما وصافحا سيد القصر في مشهد مهيب أطلق عليه" الحوار الوطني" بتغطية إعلامية ورسمية ضخمة ووعود وامتيازات سياسية ومادية مغرية ظنا منهما أنهما وصلا إلى ما يريدان ليجلسا في انتظار شيء لم يتحقق أبدا إسمه تطبيق نتائج الحوار بما يعنيه من توزيع للكعكة.

ثم يومها كان حزبا "تواصل" و"حاتم" ضمن ما أطلق عليه المعارضة الناصحة (تمييزا لها عن المعارضة الناطحة التي تمثلها المنسقية) وهما من جربا تلك المعارضة التي لم تجلب لنفسها سوى الخذلان لدى أنصار تعودوا وآمنوا بالثورة لا النفاق للنظام والحيوية لا رتابة الموالاة البغيضة.

لقد كان على النظام آنذاك أن يثبت:

أولا:أن الذين هادنوه كانوا على حق لما لقوه من حفاوة واستماع لنصائحهم بل، ولم لا، إشراك في إدارة شؤون البلاد باعتبارهم شركاء الوطن.

ثانيا: أن الذين يتحدثون في منسقية المعارضة عن عدم جدية ولد عبد العزيز في دعوته للحوار كانوا يمارسون مزايدة وكذبا.

ثالثا: أن المعارضة فقدت على الأقل ثلثين من ثقلها بمغادرة الشريكين الجديدين في التحالف الشعبي التقدمي وبيجل وأنها معرضة للشلل وعدم الفاعلية.

إلا أن المفارقة التي كانت تختمر هي أنه في الوقت الذي كان فيه  قادة التحالف الشعبي وبيجل  يحزمان أمتعهما للرحيل عن المعارضة الناطحة إلى معسكر الرئيس عزيز كانت المعارضة الناصحة قد أيقنت أن وجودها هناك كان خطأ وسوء تقدير عليها التعجيل بتصحيحه بسرعة فبدأت تحزم أمتعتها للرحيل في الإتجاه المعاكس ،عن معسكر الرئيس عزيز  لما رأت فيه من جفاف وعدم احترام للأصدقاء إلى معسكر المعارضة الناطحة لتعود إلى سابق عهدها وإيديولوجيتها الراديكالية وتصالح مناصريها الذين أبعدتهم،مرغمين، ردحا من الزمن عن مكانهم الطبيعي.

كان القادمون والمغادرون  على خلاف عميق ولكنهما أعادا التوازن للساحة السياسية حيث خسر عزيز قوى وازنة وفعالة كما فقدت منسقية المعارضة الديمقراطية قوة وازنة وفعالة. ولكن إلى متى؟

بعدعدة أشهر من الحوار يبدو أن الرئيس محمد ولد عبد العزيز لم يقتنع بأن القادمين من المعارضة قادرون على تشكيل بديل عن المنسقية يمكنه من مواصلة "اللعبة الديمقراطية" التي "عطلتها المعارضة" برفضها للحوار فأصبحنا نقرأ في تصريحات القادمين تذمرا من عدم تطبيق نتائج الحوار وشعورا لا يخفيه الملاحظ بالمرارة والندم يبدو أن الرئيس محمد ولد الأكحل  كان أكثر جراءة في التعبير عنه عندما انسحب من هيأة الحوار بدعوى"أنه لم يجد شيئا لدى الرئيس عزيز" وهو ما يشبه كثيرا ما عبر الرئيس صالح ولد حننا الذي روى،والعهدة على الراوي، أنه عندما كان حزبه جزءا من الأغلبية، قابل الرئيس عزيز مع مجموعة من رؤساء الأحزاب ليحتجوا على عدم التشاور معهم فرد عليهم بقوله"" أنا لا أستشير أحدا حتى رئيس حزب الإتحاد من أجل الجمهورية".

قد يكون مهما التذكير هنا بمقولة  أطلقها الأستاذ محفوظ ولد بتاح الذي قال إن الرئيس ولد عبد العزيز يحتقر أنصاره ويكره خصومه، وإلا فماذا يعني رد الرئيس على أغلبيته بهذه الطريقة الفجة؟

قبل عام من الآن كانت منسقية المعارضة الديمقراطية مجرد أحزاب عتيقة متجاوزة من طرف الشباب المتأثرين بموجة الربيع العربي، وكان النظام منتشيا بالنصر المؤزر الذي حققه بتخلي مسعود وبيجل عن المنسقية، ولكن إلى أين؟

يبدو أن مسار الأحداث والقناعات كان في طريقه لرسم خريطة جديدة وتحولات سيكون لها ما بعدها في تحديد مستقبل البلاد لعل أهم ملامحه:

أولا: أن المعارضة أصبحت أكثر جرأة على مواجهة النظام واقتناعا بعدم أهليته لقيادة البلاد و جديته في  الحوار بمواصفات موضوعية تجنب البلاد المواجهة، كما انحسرت الموجة الثورية للحركات الشبابية غير المؤطرة التي اقتنعت بالإنصهار في حراك المنسقية  لترحيل النظام سلميا.

ثانيا: تنامي قوة منسقية المعارضة وتماسكها حول شعارتها  واستعادة للثقة في نفسها خصوصا بعد نجاحها في الحشد لمسيرة الثاني عشر من مارس وهو ما وجد أرضية خصبة في واقع متأزم اجتماعيا وسياسيا إلى حد الإحتقان.

ثالثا: انحسار المد السياسي لأحزاب المعارضة المحاورة حتى غدت بحاجة ماسة لما يعيد لها الإعتبار حتى ولو كان ذلك بتنظيم مؤتمر صحفي تثبت فيه أنها ما زالت على قيد الحياة و تعبر عن مواقف عرجاء ومتذبذبة بين نظام لم تجد لديه اعتبارا ولا قيمة ومعارضة سرقت منها صفتها في انتظار الأيام والمعطيات المستجدة لتحديد موقف يخرجها من حالة الضياع المستمر.

رابعا:حيرة غير مسبوقة وحرج شديد بين "معارضة محاورة" لا يمكنها الإستمرار في لعبته حتى النهاية لأنها لم تجد لديه ما يحفظ ماء وجهها من حفاوة ووفاء بالعهد، ومعارضة راديكالية حزمت أمرها في مواجهته حتى النهاية، وهو يعلم أن تطبيق نتائج الحوار سيزيد الطين بلة ويقطع عليه خط العودة مع المنسقية التي أثبتت له أنها الأكثر فاعلية وقدرة على صناعة الحدث السياسي،تماما كما يعلم أن أي خطوة في التنازل لها ستكلفه خسارة معارضته المحاورة بما يعنيه ذلك من أبعاد سياسية واجتماعية في وقت يخشى فيه من تنامي التيار المتطرف في مجموعة لحراطين الذي يقوده بيرام ولد اعبيدي والذي يبدو معه أن الإحتفاظ بمسعود وبيجل مسألة لا تقبل المساومة.

محصلة يجد فيها نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز نفسه بين نارين يتطلب الخروج ما بينهما حكمة وعقلا وكياسة مع كثير من التواضع وقليل من المكابرة عليه أن يتحلى بهما رغم ما توسوس له به ألسنة السوء التي لا يهمها سوى فتات تناله حتى ولو ذهب الوطن إلى الجحيم.

 

 

 

 

26. يونيو 2012 - 0:31

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا