يتفق الجميع اليوم على أن منظومتنا التربوية وصلت إلى مستوى من التدهور الجلي ، عززته نتائج النجاح في المسابقات ، وعجزها عن تذويب الفوارق الاجتماعية ، فضلا عن التقارير الصادرة عن المنظمات الدولية ، وإن كان الوعي بتشخيص حالة العطب هذه التي تمر بها المنظومة التعليمية بموريتانيا بالغ الأهمية ، إلا أنه من المهم المساهمة في الدفع رؤية إصلاحية ــ يتنزل ضمنها هذا المقال ــ يكون بمقدروها الإجابة على أي صيغة إصلاحية للتعليم من حيث العناصر والمداخل والآليات في المجال التربوي ، والإجابة على أي مدرسة موريتانية نريد ؟ أو كيف نمرتن المدرسة الموريتانية ؟ ، خصوصا بعد أن ظل قطاع التعليم بموريتانيا أكثر القطاعات تصليحا وليس إصلاحا ، وما يؤكد ذلك تواتر وتيرة البرامج التربوية التي لم تخلو منها العشريات التي تعاقبت منذ الاستقلال إلى اليوم ، مما أفضى إلى أننا بتنا أمام مدارس موريتانية متعددة ( " 7 منظومات " على الأقل : 1ـ الامتياز ، 2ـ النموذجية ، 3ـ المدارس الأجنبية ، 4 ـ الثانوية العسكرية ، 5 ــ المدرسة العمومية ، 6 ــ المدارس الخاصة ، 7 ـ المحظرة ) ، وليس مدرسة موريتانية واحدة ، مع ما يؤديه هذا التعدد من تفاقم لعدم المساواة في الحصول على التعليم الجيد والمتساوي وكرس عدم المساواة بين الأطفال ، ليضيع مبدأ المساواة بين المواطنات والمواطنين الموريتانيين ، والميز بين أبناء وبنات موريتانيا ،وتمييز بينهم على أساس انتمائهم إلى هذه الفئة أو تلك من الفئات في تناقض تام مع الالتزام بالنهوض بحقوق المواطنين وحمايتها ، لقد أصبح التعليم بموريتانيا أكبر بوابة لتوريث الغنى والفقر وتعميق الفوارق ، حتى فشل في أن يكون رافعة أساسية لترقية الأفراد وتذويب الفوارق الاجتماعية وتأسيس العدالة الاجتماعية وصولا إلى المساواة التامة والمواطنة الكاملة، بل تحول للأسف اليوم وبإجماع الجميع إلى آلية تمييز ضد الفئات الفقيرة في مقدمتها الفئات المغبونة " الحراطين " التي تعرضت عبر التاريخ للظلم من خلال تكريس التفاوت الاجتماعي واللامساواة وإعادة إنتاج النظام الطبقي الاقصائي ، فأغلب المتسربين اليوم من المدارس هم أبناء الأسر الفقيرة وخاصة الحراطين ، حتى غدت المدرسة التعليمية تؤدي رسالة معاكسة تماما لرسالتها النبيلة والأصلية بسبب فشل النظام التربوي الذي نتج عنه فشل تعليمي مدوي مدرسة بمعايير عديدة : مدارس خصوصية للطبقات الوسطى والعليا ومدرسة عمومية أغلب روادها من الطبقات المحرومة والشعبية التي يشكل المهمشين غالبيتها العظمى ، متوسط عدد التلاميذ الفصل الواحد فيها أزيد من 100 تلميذ ، وتشهد تهميشا في جميع المستويات ، سواء من حيث المدرسين أو واقع الفصول .... الخ .
هكذا يفضح التقديم السابق الوضعية الموغلة في التمييز السلبي بالتعليم الموريتاني ، مما يدفع للتأكيد على الحلول والتصورات التالية :
1 ـــ ضرورة الأخذ في الاعتبار أن قضية التعليم شأنا وطنيا جامعا ومصيريا ، مما يقتضي وجود مشروع متفق عليه
2 ــ توفير الموارد المالية اللازمة من الميزانية العامة من خلال وضع الكادر التربوي من معلمين وأساتذة ومسيرين وإداريين ومراقبين في أحسن الظروف وإعادة الاعتبار لهم ولمهمتهم النبيلة ، وإيلاء الاعتبار الأوفى للمدرس الميداني من حيث الراتب بزيادة تصل 300% لراتبه ، حتى لا نظل نشجع الهجرة الواسعة لمرتادي القطاع بسبب تدني ظروف شغيلته المادية .
3 ــ إعطاء عناية معتبرة للاستثمار في التعليم والتكوين والبحث العلمي كاستثمار حيوي و استراتيجي يغني البلد والثروة الوطنية .
4 ــ الاهتمام باللغات الأجنبية التي ستمكن من تقوية معارف الطلاب وكفاءاتهم ومهاراتهم ومن الانفتاح على العالم والتفاعل ايجابيا وديناميكيا مع تطوراته .
5 ــ توفير بنية تحتية للقضاء على الاكتظاظ داخل الأقسام بحيث لا يتجاوز عدد التلاميذ في الفصول 30 تلميذا خصوصا في المناطق التي تقطنها الفئات الهشة .
6 ــ التأسيس لمدرسة موريتانية واحدة بدل وجود مدارس متعددة مع ما لذلك من انعكاس سلبي خاصة ترسيخ الميز والتمييز بين مختلف مكونات المجتمع الفئوية والنوعية ، وذلك حدا من اتساع نطاق التعليم الخاص .
7 ـــ خلق جو محفز للتعليم في الحرم المدرسي كتوحيد الزي المدرسي ، توفير وجبة الفطور داخل المدارس لكل التلاميذ ، مع وجود قاعات رياضية ، ومراحيض تنظف على مدار الساعة ..... الخ
8 ــ إقرار إلزامية التعليم إلى المرحلة الإعدادية
9 ـــ مراجعة وضعية التعليم الخاص وتحفيزه ودفعه إلى الاستقلالية عن التعليم العمومي فيما يتعلق بالأطر وتقنين خدماته وكلفتها .
10 ــ مراجعة البرامج والمناهج ، تأهيل المدارس العمومية ، بإنشاء برنامج تأهيل مؤسسات التعليم والتكوين خلال 3 سنوات على الأكثر .
11 ـــ. اعتماد مواثيق أخلاقية داخل المدرسة
12 ــ . إنشاء صندوق وطني لدعم وتعميم وتطوير التعليم الإلزامي ، تسهم فيه الشركات الوطنية والخاصة والمؤسسات الكبرى تفعيلا للتضامن الوطني والقطاعي ، وبمشاركة الأسر الميسورة والمؤسسات والمقاولات العمومية والقطاع الخاص ، ويهتم الصندوق بتمكين الأطفال البالغين سن التمدرس في المناطق الفقيرة ، والدعم الاجتماعي للأسر المعوزة لأجل تمدرس أبنائها .
13 ــ إنشاء لجنة وطنية للتعليم والتكوين
14 ــ. إقرار رسوم رمزية للتسجيل بمؤسسات التكوين المهني بدلا من إجراء امتحان، كمصدر من مصادر موارد صندوق دعم التكوين .
وختاما في التعليم تكمن الأزمة والحلول : مما تتطلب استنهاض الهمم وصولا إلى وثبة وطنية كبرى، مدعومة بإجماع وطني واسع من أجل حل أزمة التعليم المميز سلبا ضد الفئات المهمشة وخاصة التي عانت من الحيف والظلم عبر التاريخ ، حتى نعبر بهم إلى فضاء الانعتاق من أغلال العبودية ، من خلال بناء مدرسة جمهورية تسمح بإنتاج جيل مستقبلي واعد يحمل سمات المواطنة والوحدة ويمتلك القدرة على استلام راية البناء والنماء المطرد من خلال تحسين ظروف مكونات العملية التربوية المدرس والتلاميذ والمنهاج .