(( رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه ))
الخوف من الله تعالى والحرص على المنزلة عنده ودوام الشفقة من السقوط من عينه
صفة غالية لمن يرجو لله وقارا وحصن حصين بإذنه تعالى
من الوقوع في حدود الله والرعي فى حمى مللك الملوك
جل جلاله
مهما واتت فرص المعاصي وتيسرت أسبابها وفتحت أبوابها
وعظمت دواعيها
وقد ضرب نبي الله يوسف الكريم أبن الكريم ابن الكريم أبن الكريم عليه وعلى أنبياء الله اجمعين اكمل الصلاة والتسليم نموذجا في العفة
نحتاج إلى التذكير به في زمن تغلب فيه الفتن وتعز فيه السلامة فرغم توفر دواعي المعصية وزوال موانعها الذي اجتمع له منه - كما يقول ابن القيم - ما لم يجتمع لغيره
نذكر هنا بعضا من ذالك فقدكان ؛
- شابا في عنفوان الشباب واكتمال الشهوة
- أعزب لا عوض له من حلال
- دعته ذات المنصب والجمال ولم تدعه المبتذلة المرغوب عنها
- غريبا لا يخاف على منزلة في القوم ولا يخشى معرة المعروف المشهور والمجتمع لم يكن بذاك فسلوك العزيز وصواحب المرأة وقرائن القصة تدل علي ضعف حصانة ذالك
المجتمع وزوال سلطان الردع فيه
- كفي مؤونة الطلب فلم يحتج لبذل مال ولا ابتذال جاه ولا عز بل دعت المرأة وهيات الظرف (( وغلقت الأبواب وقالت هيت لك )) وهي صاحبة النعمة وسيدة الدولة وربة البيت
- التهديد بالانتقال من بيت الملك إلى دار السجن ومن العز إلى الصغار (( لئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونن من الصاغرين ))
ومع هذا كله كان رد يوسف حازما وإباؤه حاسما
(( معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي ))
وإبثاره مصيبة الدنيا وسلامة الدين أبلغ ما يكون
(( رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه ))
واعتصامه بالله وافتقاره إليه وتعربضه بضعف نفسه غاية في معرفة الله والأدب معه
(( وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين ))
فما أعظم نجدته وما أقوى حميته
(( فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم ))
أين شباب اليوم وفتياته وأين آباؤه وأمهاته من بث هذا التسامي الخلقي والتعالي السلوكي
إنك لترى في ساحات التعليم وباحات الأسواق وحافات الطرق ما يمثل أعلى درجات إشاعة الفاحشة في الذين
آمنوا وكأننا لم نسمع بأحسن القصص ولا ضرب لنا مثل الذين
خلوا من قبلنا فهل من مدكر
فيا حسرة من يستعظم مصيبة الدنيا ويستهين بمصيبة الدين
وما أبلغ دعاء النبي صلى ألله عليه وسلم حين قال
((.اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا ))
اما مصيبة الدنيا فسال اليقين الذي يهونها
(( ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ))
والفرق واضح فمصيبة الدين لا تهون واما مصيبة الدنيا
فيكفيها اليقين لتتحول من محنة إلى منحة ومن عطية إلى بلية
فهل نظرنا إلى مصائب الدين والدنيا هذه النظرة النبوية
وهل استعملنا هذا الميزان الفسط فلم نبع جواهر القيم
ومعالي المنازل في سوق نخاسة الدنيا فنتستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير عافانا الله من ان نكون ممن قال الله فيهم
(( أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النار ))
(( فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين ))
تفنى اللذاذة ممن نال صفوتها من الحرام ويبقى الوزر عار
تبقى عواقب سوء في مغبتها لا خير في لذة من بعدها النار
اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا
صرف الله عنا أجمعين السوء والفحشاء وجعلنا من عباده المخلصين