المولى جل شأنه يسر لعباده أمور دينهم؛ لذلك فرض عليهم عددا معلوما من العبادات يناسب قدرتهم على إنجازه والمحافظة عليه، لا يكلف الله نفسا إلا وسعها، ولهذا خففت بعض العبادات لتناسب وضعية المتعبد، كحال المسافر ولما كان صاحب السفر قد لا يقوى على إتمام العبادة المفروضة، أو يكون في عجلة من أمره، فقد خفف الشارع عنه بالتقصير؛ وهو ما سنتناوله في "أبواب تقصير الصلاة "من كتاب البخاري رحمه الله، والذي ضمنه عشرين بابا عن الموضوع وحيثياته، مفتتحا إياه بباب "ما جاء في التقصير وكم يقيم حتى يقصر"، وفيه حديث ابن عباس من قصر النبي صلى الله عليه في تسعة عشر يوما ومعقبا بقوله "ونحن إذا سافرنا تسعة عشر قصرنا وإن زدنا أتممنا" وحديث أنس أيضا من صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في سفرته لمكة اثنتين اثنتين وقد حدد السفر بعشر فقط.
ثم حديث القصر في "منى " وأحاديثه الثلاثة مؤكدة له؛ يليه مدة سفره صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وقد أورد المؤلف عنه حديث ابن عباس من تحديد زمن القدوم للركب الميمون زمن حجة الوداع يلبون وليس فيه تاريخ ولا مدة محددة.
وعن "باب في كم يقصر الصلاة " ففيه أن النبي "ص" سمى يوما وليلة سفرا، وكان ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم يقصرون في أربعة برد وهي: ستة عشر فرسخا، ثم أحاديث ثلاثة بالباب مجملها عن سفر المرأة ثلاثة أيام بدون محرم "
وفي باب القصر حين الخروج من موضع الإقامة ورد فعل علي رضي الله عنه مبينا لذلك، وحديث انس من صلاته مع النبي عصرا بذي الحليفة ركعتين، وفي أكثر أحاديث الأبواب تبيان لمنع قصر صلاة المغرب، وجواز صلاة التطوع على الدواب، والنزول منها للمكتوبة؛ ليفرد"الحمار" من الدواب بباب يتعلق بالصلاة حال ركوبه، يليه بابان للتطوع، وباب للجمع في السفر بين المغرب والعشاء على نحو ما ذكر آنفا.
وفي جمع صلاة الظهر والعصر قياس على ما سبق؛ يبينه الفعل إذا كان الرحيل قبل أن تزيغ الشمس؛ وإذا زاغت الشمس تكون صلاة الظهر أولى كما هو مبين.
أما الأبواب الخمسة الأخيرة فعن صلاة القاعد، تبيينا لكيفيتها، وتفصيلا لما فيها من حركات وإيماءات ونخو ذلك .
وإذا كانت التقصير في الصلاة جاء من أجل التخفيف عن المسلمين، والتيسير في الدين، فإن أحاديث البخاري جاءت لتبين هذه العبادة مفصلة شروط القصر؛ كطول السفر ومجاوزة العمران ونحو ذلك.
ولله الأمر من قبل ومن بعد .
الدكتور: افاه ولد الشيخ ولد مخلوك