قلة هم الذين يستغربون هذا التكالب "الأممي" على سوريا اليوم، وقلة هم الذين لم يقرأوا بعد ما وراء الحملة الإعلامية والعسكرية الشرسة التي تستهدف آخر حصون الأمة، وعواصم الرفض العربي في بوابة التاريخ ومفتاح الحرب والسلام في المنطقة.
فقد بدأ مسلسل استهداف سوريا المجاهدة في شكله الجديد مباشرة بعد احتلال العراق 2003، بعد أن فشلت اتفاقيات: كامب ديفد وأوسلو وادي عربة في ثني المشروع الوحدوي السوري الممانع عن مساره، وزاد موقف دمشق الصريح من حصار غزة والعدوان على لبنان والحرب الصليبية على ليبيا، من إصرار صناع القرار الغربي على ضرورة وضع حد لهذا لنظام "المزعج" في المنطقة..
بعد القضاء على نظام البعث في العراق والجماهيرية في ليبيا بنفس الطريقة تقريبا، وجد المتربصون بالمشروع القومي الفرصة مؤاتية للانقضاض على سوريا الأسد، بعد أن تغيرت الموازين وظهر لاعبون جدد في المنطقة سيوفرون على الغرب والصهيونية العالمية المزيد من الجهد والوقت، خاصة وأن التجربة في ليبيا كانت مشجعة جدا، حين تكفلت دول عربية بالتغطية السياسية والمالية لتدمير هذا البلد..
في سوريا يبدو المشهد متطابقا إلى أبعد الحدود، فاللاعبون هم أنفسهم، والهدف هو نفسه، والآليات لم تتغير، وبالقضاء على مشروع الأسد العروبي في دمشق، تكون آخر روافع العمل القومي في العصر الحديث قد انهارت، لتخلو الساحة لقابلة الشرق الأوسط الجديد لكي تشرف على عملية التوليد بشكل سلس، خاصة وأن قوى الممانعة الأخرى كحزب الله والجهاد الإسلامي ستنهار بشكل سريع إذا انهارت سوريا لا سمح الله..
لم يعد خافيا أننا نعيش حلقة جديدة من مسلسل استهداف الأمة في مقدراتها وثقافتها وروحها الثورية، والذين لا يستسيغون هذا الطرح يتجاهلون الواقع، ويقرأون المشهد بالمقلوب، فما الذي جعل الغرب والقوى الامبريالية تستهدف العراق وليبيا وسوريا بكل هذا الدمار والخراب، وترفض أي شكل من أشكال التعاطي السياسي مع الأنظمة الحاكمة في هذه الأقطار الثلاثة.؟
وهل هي مصادفة أن لا يتم تغيير الأنظمة في هذه الروافع الثلاثة إلا عبر التدخل العسكري الأجنبي مع أن نفس الذرائع والحجج التي سيقت لهذا التدخل توجد بشكل أوضح وأكثر مدعاة لهذا التدخل في أماكن أخرى حول العالم...؟
بالنسبة لسوريا- التي هي موضوع حديثنا الآن- فإن من مجموعة من الأسباب جعلت القوى الاستعمارية وحليفاتها الرجعية في المنطقة العربية تقرر الإجهاز عليها كدولة ونظام سياسي، وفي طليعة هذه المبررات أن سوريا ساهمت إلى حد بعيد في كسر شوكة الكيان الصهيوني في لبنان صيف 2006، ودعمت صمود الشعب الفلسطيني في غزة 2008، ونجحت في تحقيق توازن القوة في المنطقة عبر بناء جيش قوي، كما أنها- وهذا هو الأهم -كانت أول بلد عربي يصدر الحبوب والأدوية والأقمشة إلى أكثر من دولة، وهي البلد العربي الثالث إضافة إلى العراق وليبيا الذي نجح في تعريب أدق العلوم الحديثة..
هذه الأسباب وغيرها تبقى وجيهة في نظر قادة الامبريالية العالمية وأذيالهم في المنطقة العربية، للقضاء على هذا المشروع العروبي التنموي الوحدوي الممانع والذي بات مصدر إزعاج كبير للمشروع الصهيوني التغريبي في المنطقة..
أما الحديث عن حقوق الإنسان وحماية المدنيين وغيرها من الترهات فلم تعد تنطلي على أحد، وعلى الذين يراهنون على نجاح عصابات اللصوص والقتلة وقطاع الطرق في إسقاط الدولة السورية أن يعيدوا حساباتهم من جديد.
أما نحن كتابا كنا أو رعاة أغنام أو فلاسفة وعلماء فإن الواجب الديني والأخلاقي والقومي يفرض علينا أن نقاوم هذا المشروع الامبريالي الغربي الذي يسعى للإطاحة بأقطارنا العربية واحدا بعد آخر، سبيلا لإفساح الطريق أمام ميلاد الشرق الأوسط الجديد.. وعلى جوقة المهرجين في وسائل الإعلام والمساجد أن يكفوا ألسنتهم الحداد، قبل أن ترتد إليهم سهام الغدر والخيانة التي يطلقونها صباح مساء..