عبر مراحل تاريخنا السياسي لم تشرئبّ أعناق الحالمين بالتغيير كما هي في حالها هذه الأيام، وهي تترقب حدثا مفصليا في تاريخها، يتمثل في انتقال سلمي للسلطة في انتخابات رئاسية تختلف في سياقها ووزن وتنوع المشاركين فيها، فما هي آلية التغيير الناجعة؟ وما الذي ينتظره الحالمون بالتغيير؟
لقد كان الواقع الاجتماعي الظالم الذي كرسه التفاوت الطبقي وعززه التمايز الاجتماعي ووجد امتداده في السياسات الحكومية عاملا من أبرز عوامل التخلف التي عرفتها موريتانيا، جعلت المكتوين بنِير الظلم والغبن ينتفضون في وجه هذه السياسات المستمرة منذ نشأة الدولة، ولقد ساهم التغاضي والتغابي الفجّ مع هذه الظاهرة من قبل نظام ولد عبدالعزيز في استثارة المظلومين وإبراز مكامن الغبن وتثوير الناس بحثا عن حقوقهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
لكن هذا السياق المفصلي الذي نمر به يجعل الحالمين بالتغيير يتطلعون إلى أن تتجاوز موريتانيا هذا الاحتقان الاجتماعي - الذي رافق احتقانا سياسيا مشهودا اتسمت به العشرية الفارطة - ويأملون في أن يؤسس ذلك التغيير لإصلاح اجتماعي يشكل عمادَ الإصلاح السياسي، إصلاح لا يمكن أن يتجسد إذا ما استمرت نفس الأيادي التي تحكّمت في تسيير شؤون الدولة في العشرية المنصرمة على ذات النهج الذي يكدس ثروات الدولة في أيدي ثلة متحكّمة من المفسدين اتخذوا من وسائل الدولة ريعا خصوصيا.
إن أمل التغيير يتجسد في صعود الجبهة المدنية التي ستشكل نُقلة واعية بضرورة المرحلة، وما تتطلبه من معالجة للواقع الاجتماعي الحساس، والعمل على رأب الصدع وتحجيم التفاوت من خلال سياسات تنصف أصحاب المظالم، وتشركهم في تسيير شؤون بلدهم، وتتخذ من الكفاءة معيارا للاختيار، بعيدا عن المحسوبية والقبلية والجهوية التي طالما اتخذ منها الحاكمون المتحكّمون وسيلة للاستمرار في إفساد الواقع السياسي، وتجذير التباين الاجتماعي والاقتصادي.
إن الرئيس المدنيّ يفهم في التعاطي مع هذه الإشكالات الاجتماعية والسياسية أكثر من الرئيس العسكري الذي يسيّرها بأسلوب "ميكانيكي" يتجنب المرونة في التسيير ويهمل الدراسة في التدبير، خصوصا إذا ما كنا أمام تحدٍّ بين مرشح مدني يتمتع بتجربة ومران طويلين في تسيير حكومات متعددة في فترات مختلفة وسياقات معقّدة، وعسكري لم يتمرس سوى في فنون الجِلاد والقتال.في المحصلة لا يمكن لتغيير ذي بالٍ أن يتم بلا رؤية مدنية تتوخّى الإصلاح، ولا تنمية بلا استقرار سياسي ومساواة في الفرص، وذاك يحتاج إلى خلفية مدنية لا عسكرية. وعلى أبناء موريتانيا أن يقتنصوا فرصة التغيير التي تبدو مواتية، واتخاذ هذا المنعطف جسرا للعبور إلى الحكم المدني الذي يُلحم البِنى الاجتماعية ويعزز البنى المؤسسية.
بقلم:محمد يحي عبد الرحمن