شُرع قيام الليل والتعبد به في أوائل العهد المكي؛ لما فيه من الأثر الكبير في تقوية الإيمان، وتربية النفس ومجاهداتها على الطاعات، ثم وردت نصوص صريحة في "التهجد" والقيام؛ وذلك ما سنلحظه الليلة حين تزهر سنابلنا مع "أبواب التهجد" من البخاري والبالغ عددها سبعة وعشرون بابا مفتتحة بقول الحق تعالى "ومن الليل فتهجد به نافلة لك ..."
وهي آية من سورة الإسراء المكية التي حضت على قراءة القرآن، وأمرت بالتعبد به، وقد أتبعت الآية بحديث ابن عباس عن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في التهجد، وفيه الثناء على الخالق جل جلاله، وفيه تربية وحكم بالغة.
أما فضل قيام الليل فشرحه المؤلف بحديث سالم عن أبيه ورؤياه التي رآها وفسرت له :"نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل" وتلك دلالة واضحة على قيمة وأفضلية قيام الليل.
وصلاة الليل سجودها طويل كما نقلت عائشة رضي الله عنها من تقدير سجود المصطفي صلى الله عليه وسلم بقدر ما يقرأ أحدهم خمسين آية، وأما المريض الذي يشق عليه القيام فليس عليه قيام؛ كما روى جندب رضي الله عنه من ذلك، غير أن المصطفى صلى الله عليه وسلم حرض على قيام الليل والتهجد من غير(إيجاب)على حد قول البخاري رحمه الله؛ وذلك إما للزيادة من الخير والرحمة بالمؤمنين؛ لتكون نومة السحر لا شية فيها كما بينته أحاديث بابها الثلاثة.
وتفصل باقي الأبواب فعالا عظيمة من التقوى والعبادة، نحوا كعدم النوم بعد السحور حتى صلاة الفجر، وطول القيام في صلاة الليل؛ لتعرج الأبواب على كيفية صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من الليل؛ وفيه أحاديث أربعة :أولها لا يحدد "مثنى مثنى" والوتر حين الصبح، والثاني والرابع "ثلاث عشرة ركعة" والثالث :"إحدى عشرة ركعة".
وفي الأبواب أحاديث تتعلق بأفعال "الشيطان"؛ عقده على الناصية لمن لم يصلى وبوله في أذنه، يتبعهما باب الدعاء والصلاة آخر الليل، وبهما آيات صريحات في الفضل والثناء "كانوا قليلا من الليل .."وبالأسحار هم ..." وحديث نزول الخالق جل شأنه وقد تُكلم فيه كثيرا "وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إليه"
ومن الباب السابع عشر إلى نهاية الأبواب كانت الأحاديث في مجملها تتحدث عن صلاة الليل، وركعتي الفجر، ومن تكلم بعدهما وماذا يقرأ فيهما، وما هو الدعاء الأنسب حين الفراغ منهما، والمداومة عليهما، وتعاهدهما ونحو ذلك...
إن من مزايا صلاة التهجد أنها خالية من الرياء، فصاحبها يكون وحيدا في عبادته لخالقه جل جلاله، له الأمر من قبل ومن بعد وإليه ترجعون.