كان ورد التراويح الليلة ، سورة الأنفال التي هي المغانم ، وقد أجابت السورة عن سؤال وجهه الصحابة رضوان الله عليهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم بخصوص غنائم بدر التي اختلفوا فيها بين قائل : نحن هم الذين حزنا الغنائم وحويناها فليس لغيرنا فيها نصيب ، وقائل من المشيخة : إنا كنا لكم ردءا ، ولو هزمتم للجأتم إلينا . حتى جاءت فاتحة السورة لحسم موضوع القمسة لله والرسول ، آمرة بتسوية الخلاف بين الشبان والشيوخ وبطاعة الله ورسوله التي هي خير مغنم ( وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مومنين) .
ثم أخذت السورة تذكرهم بسمات المؤمنين وأنهم الذين اذاكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم ءاياته زادتهم ايمانا ......وبما أعد الله لهم من الدرجات والمغفرة ، لتدخل في ملحمة النصر والعزة والضرب بعصي الفصل بين الكفر والإيمان ، مغطية بدقة معانيها كيف سارت كواليس معركة " بدر " والغزاة قلة لاعدد لهم ولاعدة سوى خيلين وثمان من السيوف ، يتعاقب كل ثلاثة منهم على بعير ، وأعداؤهم كثرة في الرجال والعتاد ، لكن قدرة الله أعطتهم من الإمدادات مالم يكن في الحسبان ، حيث ثبتهم الله بمدد من الملائكة وبالمطر يستقون منه ويغتسلون ويثبت الأرض أن تسوخ في رمالها الأقدام ، وبالنعاس يغشاهم ليجدوا راحة البال والسكينة والإطمئنان ...إلى غير ذلك من التهيئة النفسية التى تعقبها إلقاؤه الرعب في قلوب الأعداء وإنزال العذاب الشديد بهم .
كما سلطت السورة المدنية البالغ عدد آيها 57 ءاية الأضواء على تفاصيل هذه الملحمة التي استخدمت فيها أسلحة وجنود لم تعرفها البشرية في هكذا مناسبات ، كل ذلك استجابة لدعائه صلى الله عليه وسلم لمارأى الكفار يوم بدر : " اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادك وتكذب رسولك ، اللهم فنصرك الذي وعدتني " . فأتاه سفير الوحي جبريل عليه السلام محملا بتعاليم الله الربانية ليقول له : " خذ قبضة من تراب فارمهم بها ، فرماهم بقبضة من تراب فانهزموا " .
ومارميت إذرميت أبدى *** لكل من نظر أن العبدا
يضاف مافعله كسباإليه *** وللإله خلقا إن ذا عليه
من ليس جبريا وليس قدري *** أما هما فلعنة للبشر
إذخالفا الكتاب والإجماعا *** وشاع من أمرهما ماشاعا .
ثم تدخل السورة في تقديم دروس الأمر بالثبات والتحذير من التشبه بالمنافقين ، وذلك عبر نداءاتها المتكررة للذين ءامنوا ...كي يستجيبوا لله وللرسول إذادعاهم لمايحييهم ...ثم يمضي سياق السورة في سرد وقائع الماضي في مواجهة الحاضر وتزيين الشيطان لأعداء الحق أعمالهم وقد ظهر لهم على صورة سيدي الناحية التي دارت فيها رحى الحرب " سراقة بن مالك " وقال لهم : ( لاغالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم ) مجيركم من مكر وبأس قومي بني كنانة ، لكن لما رأى إبليس نزول الملائكة نكص على عقبيه وحين سألوه كان رده : ( إني أرى مالاترون ) محققا بتغيير صورته معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم ، لأن كفار قريش لما رجعوا إلى مكة قالوا هزم الناس سراقة ، فبلغ سراقة ذلك فقال : والله ماشعرت بمسيرتكم حتى بلغني خبر هزيمتكم ، فتبين للقوم أن الشخص لم يكن سراقة بل كان شيطانا .
وأخيرا تقدم السورة حكما آخر من أحكام الغزو والجهاد في حق النبي صلى الله عليه وسلم ، وذلك لما أتى بسبعين أسيرا في غزوة بدر وكان من بين الأسرى عمه العباس وعقيل بن أبي طالب ، استشار أبي بكر الصديق رضي الله عنه في أمرهم فرد عليه بأن يستبقهم لأنهم قومه وأهله لعل الله أن ينوب عليهم ، وفي مقابل ذلك يأخذ منهم الفدية تقوية على أعدائه ، فما كان من الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، إلا أن قام وقال : كذبوك وأخرجوك فقدمهم واضرب أعناقهم . فلان قلب الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم وقال : إن الله ليلين قلوب رجال حتى تكون ألين من اللبن ، وإن الله ليشدد قلوب رجال حتى تكون أشد من الحجارة ..كأنه مال صلى الله عليه وسلم لرأي أبي بكر ، وماإن بدأوا في إجراءات أخذ الفداء حتى نزلت الآية : ( ماكان لنبيء أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم ) . فكانت إحدى موافقات بن الخطاب الثلاث .
تقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام وضاعف لنا ولكم الأجر .