إن من منن الله على عباده -وهم أهل الخطأ والنسيان- أن يسر لهم مافرض عليهم وجعل لهم نوافل من جنس المفروضات وسننا مستحبات تكمل نقصهم وتصلح خللهم.
وإن "التطوع" ليبعث في نفس المؤمن الصادق الهمة والنشاط والرغبة لفعل الخيرات الجالبة لمحبة الله جل جلاله؛ ذلك ماسنلحظه حين تتناول في ليلتنا الرمضانية هذه "أبواب التطوع من البخاري"؛ البالغ عددها تسعة أبواب
أما الباب الأول من الأبواب "باب التطوع بعد المكتوبة " ففيه حديث ابن عمر رضي الله أنه صلى مع النبي ركعتين دبر كل صلاة عدى المغرب والعشاء "في بيته" واللفظ له؛ لتلحقه الرواية بحديثه عن أخته حفصة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي سجدتين خفيفتين بعد ما يطلع الفجر" وفي الحديث الحرص على عمل الخير والحرص على الاستفادة من المحامد والطاعات؛ وفيه التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ وكون من لم يتطوع بعد الصلاة المكتوبة لم يترك فرضا ولا فرط في واجب فمستند ذلك في البخاري من حديث ابن عباس من تقديم العصر وتأخير الظهر وتعجيل العشاء وتأخير المغرب "صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ثمانيا جميعا وسبعا جميعا " والله تعالي أعلم وأجل .
وليس للتطوع وقت محدد مالم يكن وقت نهى عنه الشارع وخصه لذا كانت صلاة الضحى بالسفر غير مروية في بابها فقد نفى صلاتها ابن عمر وورد نفيها عن المصطفي صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي.
وقد روت أم هانئ في حديث ثان أنها ثمان ركعات بسجودهن وركوعهن مارأت أخف منهن؛ وفي الحديث الذي يليه وهو متعلق به وعنون له باب "من لم يصل الضحى ورآه واسعا " ففيه حديث عائشة رضي الله عنها "مارأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم سبح تسبيحة الضحى وإني لأسبحها" وهذا الباب صريح في سعة التطوع وعدم محدوديته وربطه بالأفعال والأقوال .
أما صلاة الضحى في الحضر فقد رويت من وصية أبي هريرة "أوصاني خليلي بثلاث لا أدعهن ...."وحديث أنس الذي فيه الصلاة نفسها وحدبث رجل ضخم من الأنصار .
لتكون باقي الأبواب التسعة مقسمة بين "صلاة ركعتين قبل الظهر "وفيها حديثين يأكدان فعل النبي الكريم صلى الله عليه وسلم لذلك. و"الصلاة قبل المغرب" والتي بينها حديث المزني عن النبي صلى الله عليه وسلم: "صلوا قبل صلاة المغرب قال في الثالثة لمن شاء كراهية أن يتخذها الناس سنة "
وبينه حديث عقبة بن عامر "كنا نفعله في عهد رسول "ص"
أما الباب قبل الأخير فهو عن صلاة النوافل جماعة وروي فيه أطول أحاديث الباب وهو حديث عتبان بن مالك وصلاته لقومه ببني سالم وطلبه من النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي له في بيته " الحديث .
وفي الأخير يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتطوع في البيوت "اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم ولا تتخذوها قبورا "
إن الإيمان الذي يدعوا إليه الإسلام ليس إيمانا ذهنيا مجردا ولا إيمانا خاملا سلبيا؛لذا يقرن القرآن دوما الإيمان بالعمل الصالح الذي ذكر في التنزيل قرابة مائة مرة؛لتأتي السنة النبوية وترشد إلى فضائل "التطوع " وتقره الأحاديث النبوية فعلا يتأسى به وأمرا يتعبد به؛ أو تبيانا لفضل الزيادة في الخيرات لما في الصلاة من الفوائد الجمة والأجر العظيم؛والتطوع دائرته أوسع من الفرائض ومجاله أرحب.
ولله الأمر من قبل ومن بعد